حمصي يروي رعب 50 عاماً من مجاورته مبنى للتعذيب

خيم الخوف على حياة المواطن السوري طه تدمري على مدى 50 عاماً بسبب مبنى مديرية الأمن المجاور لبيته في حمص، ما جعله منذ طفولته شاهداً على أهوال لا توصف، حيث كانت تصله صرخات المعذبين من زنازينهم إلى الطابق الثالث حيث غالباً ما جلس وعائلته في صمت مطبق، غير قادرين على فعل أي شيء.

وقال تدمري أن الشقق في البناية كانت رخيصة الثمن، وكان عناصر الأمن جيرانه. ولم يكن أحد يجرؤ على العيش بالقرب من هؤلاء الناس، حتى إنه اضطر للتوسل إلى الطبيب لعلاج أمه ذات مرة، بعدما رفض القدوم عندما عرف عنوان بيته، حسبما نقلت صحيفة غارديان” البريطانية.

ورغم ذلك، أكد تدمري أنه لم يكن أمام أسرته خيار سوى البقاء لتجنب إثارة شك الجهاز الأمني. ولم تكن مديرية الأمن مجرد مبنى، بل كانت آلة للمراقبة والتحكم، وكان مسؤولو الأمن يطرقون باب تدمري كل شهرين ليطلبوا جميع تفاصيل حياة الأسرة، بما في ذلك من يزورهم، وأين كان أطفالهم، وحتى معلومات عن أي سباك أو نجار يدخل منزلهم، وقال تدمري: “كانت المعلومات سلاحهم المفضل”.

وكان مسؤولو الأمن يصرخون في وجه العائلة بغضب، آمرينهم بأن يغلقوا نوافذهم، لمنعهم من رؤية الانتهاكات الحاصلة جوار شقتهم أو سماعها، كما كان السطح محظوراً على السكان. والعام 2011، بعد انطلاق شرارة الثورة السورية ووصولها حمص، بدأ تدمري يرى تطوراً “جديداً وفظيعاً” من النافذة. ففي كل يوم جمعة تقريباً، كانت الحافلات وسيارات الأجرة تلقي بمئات الركاب المذعورين، وملابسهم تغطي رؤوسهم، عند مدخل المبنى.

وكان تدمري يعرف بعض الشباب الذين كانوا يرتادون مسجد الفرقان بالحي، والذين كانوا يخرجون إلى الشارع كل جمعة للتظاهر، وقال والدموع في عينيه: “كنت أراهم، ولكن بسبب خوفي على عائلتي وأطفالي لم أذهب معهم، أما هم فلم يخافوا، ولكني كنت أبكي عليهم كل يوم جمعة، لمعرفتي بما سيواجهونه”.

وذكر تدمري أنه رأى مرات عديدو نحو 300 شخص مكبلين بالأصفاد وفي طريقهم إلى غرف التعذيب، وقال إنه عندما تجاوز عدد المعتقلين مساحة المبنى الاستيعابية، كانوا ينقلون إلى سجن عسكري قريب.

وبينما نجت شقة العائلة من القصف الذي دمر جزءاً كبيراً من المدينة، استمرت زيارات المسؤولين الأمنيين، وكان أحد المسؤولين، ويدعى أبو عبدو، يراقب العائلة من كثب، حتى إنه طلب من تدمري تقديم تقرير عن زيارات موظفي الأمم المتحدة، وضحك تدمري عندما تذكر كيف سأله أبو عبدو ذات مرة عن قريب له توفي قبل عقود.

والعام 2013، طاولت أيدي النظام عائلة تدمري، حيث اعتقل شقيقه فراس أثناء عمله في مبنى صورت فيه مظاهرة مناهضة للحكومة. وبعد اتصال هاتفي معه، انتظرت الأسرة عودته طوال الليل، وذهب تدمري ووالده لمقابلة حسام لوقا رئيس المديرية المعروف بسمعته السيئة والذي بات في لائحة العقوبات الدولية بتهمة تعذيب المعارضين، وسألوه عن فراس فأخبرهم بألا يقلقوا فهم جيرانه.

وتبين للعائلة لاحقاً أن لوقا كذب عليه، حيث مكث فراس بالمديرية أسبوعين، ثم أرسل إلى منشأة مرعبة في دمشق تحت الأرض تعرف باسم الفرع 215، ولم يسمعوا عنه أي شيء بعد ذلك، ولم تسفر جهود العائلة في البحث عن فراس بعد سقوط النظام عن أي نتيجة، ما قضى على آمالهم في العثور عليه حياً.

وأدى انهيار نظام الأسد في كانون الأول/ديسمبر 2024 إلى انتهاء التهديد الذي لازم حياة هذه العائلة وأصبح جزءاً منها. وراقب تدمري من شرفته المسؤولين وهم يحصنون المجمع الأمني بأكياس الرمل والحراس المسلحين، وكيف فروا بعد ذلك مع تقدم قوات المعارضة، واقتحم الجيران المجمع، وحرروا المحتجز الوحيد الذي وجدوه في السجن.

لكن تدمري لم يدخل حتى الآن المبنى على الرغم من سعادته، خوفاً من أن يكون مفخخاً، ويأمل أن تستخدم الحكومة الجديدة المجمع الأمني في شيء بنّاء.

؟

؟

المدن

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى