
الأموي في دمشق.. من أداة دعائية لنظام الأسد إلى رمز جامع للسوريين بعد سقوطه
بعد عقود من التوظيف السياسي، عاد الجامع الأموي في دمشق إلى الواجهة، مستعيدًا مكانته التاريخية والروحية، بعدما كان النظام السوري يستغله كمنبر دعائي يبث منه خطابه بلبوس ديني. ومع سقوط نظام الأسد، استعاد المسجد رمزيته المحورية في وجدان السوريين، ليعود إلى دوره كمركز ديني وثقافي جامع.
كان الجامع الأموي قلب دمشق النابض، ومحطة انطلاق للحراك الوطني منذ زمن الاحتلال الفرنسي، حيث احتضن المظاهرات والخطب السياسية، كما وصفه الأديب علي الطنطاوي بقوله:
“كان الأموي مثابة الجهاد الوطني، فيه تُلقى الخطب، وفيه تُعدّ المظاهرات”.
وفي اليوم التالي لسقوط النظام، وقف قائد الإدارة الجديدة أحمد الشرع داخل الجامع، وأعلن عن مرحلة جديدة تفتح أبوابه أمام كل من حُرم منه على مدى العقود الماضية. هذه اللحظة مثلت استعادة الجامع لدوره التاريخي في كل تبدل للسلطة في دمشق، ليصبح وجهة للمقاتلين العائدين واللاجئين الذين حُرموا من دخول مدينتهم.
الاستغلال السياسي والاستقلال الديني
لم يكن الجامع الأموي بعيدًا عن التوظيف السياسي خلال حكم نظام الأسد، حيث استخدم كأداة لإضفاء الشرعية على النظام، عبر خطب جمعة كان يلقيها رجال دين موالون للأسد، وتُبث مباشرة عبر وسائل الإعلام الرسمية، محملة برسائل سياسية واضحة.
لكن بعد سقوط النظام، أعيدت إدارة خطب الجمعة إلى شخصيات دينية ساندت الثورة، كما أوضح المشرف على صيانة الجامع، سمير المصري، الذي أكد أن الأوقاف باتت تختار خطيبًا جديدًا كل أسبوع من بين رجال الدين الذين دعموا الحراك الشعبي، ومن بينهم الشيخ محمد أبو الخير شكري، والشيخ مطيع البطين، والشيخ زياد الجزائري، والشيخ أنس عيروط.
مبادرات محلية ودولية لترميم الجامع
إلى جانب دوره الديني، حظي الجامع الأموي باهتمام واسع على الصعيد التراثي، حيث أطلقت مبادرات محلية ودولية لترميمه بعد سنوات من الإهمال.
وأعلنت بلدية غازي عنتاب التركية عن نيتها التبرع بسجاد جديد للجامع ليكون جاهزًا قبل شهر رمضان المقبل، كما قدم رجل أعمال سوري عرضًا للتبرع بمبلغ ضخم لدعم عمليات الترميم، وفق ما كشفه سمير المصري.
وأشار المصري إلى أن السجاد القديم، رغم بقائه بحالة جيدة، إلا أنه يعاني من تموجات تؤثر على راحة المصلين، مما استدعى استبداله بسجاد أكثر جودة، يتناسب مع قيمة الجامع الدينية والتاريخية.
السوريون يكتشفون الجامع الأموي من جديد
بعد فتح الجامع بالكامل أمام العامة، بدأ السوريون يكتشفون أماكن لم يكن يُسمح لهم بدخولها لسنوات طويلة، مثل قاعة الشرف، التي ظلت مغلقة أمام الزوار، وكانت مخصصة فقط لاستقبال الرؤساء والملوك وكبار الشخصيات السياسية.
ونشر تلفزيون سوريا صورًا ومقاطع فيديو من داخل القاعة لأول مرة، حيث ظهر السجل الذهبي، الذي يحوي توقيعات شخصيات عالمية زارت الجامع، لكنه كان حكرًا على المسؤولين والدبلوماسيين دون عامة الناس.
كما تداول ناشطون مقاطع فيديو تظهر ممرات وأقبية تحت الجامع، إلا أن المهندس سعد مؤقت، المشرف على منظمة “هاند” العاملة على صيانة المسجد، نفى وجود أماكن سرية، موضحًا أن القبو الموجود تحت الجامع مجرد جناح صيانة يضم دورات مياه وخزانات مياه، وليس ممرات تاريخية مخفية كما شاع في بعض الأوساط.
إهمال كان قد يؤدي إلى كارثة
كشف سعد مؤقت أن الجامع الأموي كان يعاني من إهمال شديد، حيث لم يكن يحتوي على نظام كهرباء مركزي، ما جعله معرضًا لخطر نشوب حريق في أي لحظة، خاصة أن سقفه مصنوع من الخشب.
كما أشار إلى أن تسريبات مياه الأمطار كانت تؤثر على بنية الجامع، بالإضافة إلى تراكم النفايات داخل مئذنة النبي عيسى، التي لم تشهد أي تنظيف منذ أكثر من 20 عامًا.
وأطلقت منظمة “هاند” مشروعًا لصيانة مواضئ الرجال والنساء، وغرفة المؤذنين، ومقام رأس الحسين، والبحرة الرئيسية، إضافة إلى تزويد القناديل والثريات بإضاءة جديدة، لإعادة المسجد إلى حالته التاريخية.
منصة قصف وعمليات عسكرية
لم يكن الجامع الأموي بعيدًا عن الصراعات السياسية والعسكرية، ففي عام 1300م، خلال اجتياح المغول لدمشق، حوّلوه إلى قاعدة عسكرية، ونصبوا فيه المجانيق لقصف قلعة دمشق، كما استخدموه كحانة لمعاقرة الخمر.
وفي العصر الحديث، شهد الجامع حدثًا داميًا عام 1965، عندما اقتحمت قوات نظام البعث المسجد بعربات عسكرية، وأطلقت النار على معتصمين داخله، في واحدة من أبشع حوادث القمع السياسي في تاريخ سوريا الحديث.
تلفزيون سوريا – مصدر








