نازحو الشمال السوري بين فرحة سقوط النظام وواقع الدمار الصعب

 

بعد الإطاحة ببشار الأسد، كان النازح مهدي الشايش يعتقد أن عودته إلى قريته في وسط سوريا ستكون سريعة، لكنه فوجئ بأن منزله لم يعد صالحاً للسكن، تماماً كما حال آلاف النازحين الذين دمّرت الحرب ممتلكاتهم.

داخل غرفة متواضعة مبنية من الطوب في مخيم أطمة، أحد أكبر المخيمات في شمال غرب سوريا، يقول الشايش (40 عاماً): “فرحتنا بسقوط النظام لا توصف.. لكنها لم تكتمل”، مشيراً إلى أن منزله في التريمسة بمحافظة حماة قد تعرّض للقصف ولم يعد قابلاً للسكن، فيما تعجز عائلته عن تحمل تكاليف الترميم.

ويضيف بحسرة: “عندما عدنا إلى قريتنا، كانت الصدمة كبيرة، فقد كان منزلنا بمثابة جنة صغيرة، لكنه لم يعد كذلك”. ورغم سعادته بلقاء أقربائه الذين كانوا يعيشون في مناطق النظام سابقاً، إلا أنه اضطر للعودة إلى المخيم، حيث لم يجد منزلاً يحتضن جميع أشقائه.

العودة المؤجلة

تعيش عشرات الآلاف من العائلات في المخيمات، حيث تُبنى المساكن المتواضعة من الطوب، وتنتشر ألواح الطاقة الشمسية فوق الأسطح، بينما يتصاعد دخان المدافئ التي لا تتوقف عن العمل لمواجهة البرد القارس.

أحيت الإطاحة بالأسد في 8 ديسمبر آمال ملايين النازحين واللاجئين بالعودة إلى ديارهم، لكن حجم الدمار الذي خلفته الحرب يجعل عودة الغالبية منهم صعبة قبل بدء مشاريع إعادة الإعمار. وتعوّل السلطة الانتقالية على دعم المجتمع الدولي لإعادة بناء البنية التحتية المدمرة ومعالجة آثار الحرب المستمرة منذ 13 عاماً.

بالقرب من مدفأة تعمل على المازوت، يقلب الشايش صوره القديمة على هاتفه ويقول بأسى: “كنت متزوجاً عندما غادرت القرية مع أشقائي الخمسة، واليوم تزوجوا جميعاً. لا نملك منازل تأوينا ولا أراضٍ للبناء”. ورغم ذلك، يتمسك بالأمل: “كما كنا نحلم بسقوط النظام وقد تحقق ذلك، نأمل الآن أن تساعد الدول الداعمة في إعادة الإعمار لنعود إلى بيوتنا”.

نزوح مستمر رغم التغيير

قبل سقوط النظام، كان أكثر من خمسة ملايين شخص، نصفهم نازحون، يعيشون في مناطق سيطرة الفصائل المعارضة في إدلب ومحيطها. ومع وصول السلطة الجديدة، غادر عدد قليل منهم المخيمات، لكن لا يزال مليونا شخص يعيشون في 1500 مخيم، يعتمدون على مساعدات إنسانية متراجعة.

بحسب نائب منسق الأمم المتحدة الإقليمي للشؤون الإنسانية ديفيد كاردن، فقد غادر أكثر من 71 ألف شخص المخيمات خلال الشهرين الماضيين، لكنهم يشكلون نسبة ضئيلة مقارنة بأعداد النازحين الكبيرة. ويؤكد أن العائق الأساسي أمام العودة هو الدمار الواسع الذي طال المنازل والبنى التحتية، بالإضافة إلى المخاطر الأمنية مثل الألغام المنتشرة في المناطق التي شهدت معارك.

“الحياة هنا صعبة”

تعيش مريم عوض عنبري (30 عاماً) مع زوجها وأطفالها الثلاثة في مخيم أطمة منذ سبع سنوات، بعد نزوحهم من بلدة كفرنبودة في ريف حماة الشمالي. تقول بحسرة وهي تغسل الأطباق بماء بارد بينما ينام طفلها ملفوفاً بغطاء شتوي: “نحن جميعاً نحلم بالعودة، لكن منازلنا باتت أنقاضاً”. وتضيف: “أتمنى أن تتحسن أوضاعنا مع وجود رئيس جديد، وأن تصبح الحياة أفضل”.

يعتمد النازحون في المخيمات على مساعدات إنسانية بالكاد تكفي احتياجاتهم، فيما يعاني معظمهم من أوضاع اقتصادية متردية. زوج مريم يعمل كعتّال بأجر زهيد لا يكفي سوى لشراء الخبز والمياه. تتساءل بيأس: “إلى أين نذهب وبيوتنا مدمرة؟ نعيش هنا رغماً عنا”.

في المخيم، حيث يلهو الأطفال بين الغرف الطينية، تدير صباح الجاسر (52 عاماً) وزوجها محمّد دكاناً صغيراً. نزحا مع أطفالهما الأربعة من قرية النقير في إدلب قبل سبع سنوات.

تروي صباح: “فرحنا بسقوط النظام، لكننا وجدنا منازلنا مدمرة وأشجارنا محروقة”. رغم ذلك، لا تزال مصممة على العودة: “حلمنا كان العودة، والحمد لله ستحقق ذلك.. حتى لو اضطررنا إلى بناء خيمة فوق أنقاض منزلنا”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى