
إسطنبول.. بيوت فارغة وأسواق هادئة تروي حكايات عودة السوريين
لم يكن ليتصور أي زائر سابق لـ”نزلة الأمنيات” أو ما يُعرف بـ”سوق مالطا” الملاصق لجامع السلطان محمد الفاتح في قلب حي الفاتح بمدينة إسطنبول، أن يشهد هذا المشهد الهادئ والسكينة التي تميّز المكان هذه الأيام.
فمنطقة كانت تُعرف على الدوام بازدحامها الشديد وحركة الحياة النابضة فيها، خصوصاً مع توافد أعداد كبيرة من السوريين، خلال السنوات الماضية، عادت الآن إلى هدوئها النسبي، وفق شهادات من سكّان عرب وسوريين مرّوا بها ووصفوا حال السوق لـ موقع تلفزيون سوريا.
حديث العودة يتصدر المحادثات اليومية
تحتل قضية العودة إلى الوطن، الجزء الأكبر من أحاديث السوريين في إسطنبول وعموم تركيا وفي مختلف بلاد الشتات، حيث يتبادلون قصص الرحيل وخطط العودة ومواعيدها.
وأكّد العديد من السكّان أن أعداداً كبيرة من السوريين قد غادرت حي الفاتح بالفعل، منذ بداية العام الحالي، ما ترك الحي في حالة هدوء غير مألوفة لم يشهدها منذ سنوات طويلة.
تغير في حركة الأسواق
الشاب طارق، العامل في أحد المحال المتخصصة بالمنتجات السورية، أكّد لـ موقع تلفزيون سوريا أنّ حركة البيع كانت نشطة جداً خلال عيد الفطر الماضي (نيسان 2025)، مشبّهاً ازدحام الناس في ذلك الوقت وكأنه وداع جماعي لتركيا.
وأشار إلى أنّ حركة الأسواق تراجعت بشكل ملحوظ مع حلول عيد الأضحى وما تلاه، فقد تناقص عدد الزبائن بشكل واضح وأصبحت الشوارع أكثر خلواً مقارنة بما كانت عليه في السابق.
مطاعم ومحال السوريين بين قرار البقاء والرحيل
أجمع أصحاب المحال والمطاعم السورية في حي الفاتح، على أن تراجع عدد الزبائن، والذي يمثّل السوريون والعرب النسبة الأكبر منهم، أثّر سلباً على مشاريعهم.
وقال بعض أصحاب المشاريع إنّ العودة والاستثمار في سوريا هو الخيار الأقرب لهم في حال استمر الوضع الحالي، معبّرين عن نيتهم تقييم الوضع حتى فصل الشتاء القادم، خاصةً وأن كثيراً من العائدين كانوا قد سافروا لأغراض زيارة فقط وقد يعودون مع بدء الموسم الدراسي.
ومن بين هؤلاء هناك مَن أكّد أنّه قرّر إغلاق محله نهائياً عند انتهاء عقد الإيجار السنوي، ونقل أعماله إلى سوريا، خاصة مع توقعات ازدياد أعداد العائدين خلال الفترة المقبلة.
سوق الإيجارات يشهد تحوّلات واضحة
يعرف السوريون جيّداً ما معنى أن تبحث عن مسكن في إسطنبول، فهي معاناة لا تتوقّف عند ارتفاع الأسعار ودفعات التأمين وأجور الوكلاء العقاريين، بل كانت تمتد إلى ندرة العقارات المعروضة للإيجار، مع ازدياد أعداد السوريين إلى جانب كثير من العرب والأجانب.
ومع مغادرة عدد كبير من العائلات السورية وعودتهم إلى سوريا، تبّدلت ملامح سوق الإيجارات في الفاتح، حيث لوحظ تسليم عدد كبير منهم لمنازلهم، وانتشرت لوحات لـ”الإيجار” على العديد من المباني في حي الفاتح.
يزن -أحد سكان الحي- أكّد لـ موقع تلفزيون سوريا وجود فراغ في العديد من المنازل التي كانت تسكنها عائلات سورية، وأنّ ذلك بدأ قبل عيد الأضحى وتزامن مع انتهاء العام الدراسي، مشيراً إلى تزايد عرض المنازل للإيجار، ما يؤكد مغادرة عدد كبير من العائلات السوريّة.
أرقام رسمية تؤكد حجم العودة
بحسب تصريحات وزير الداخلية التركي علي يرلي كايا، فإن أكثر من 250 ألف لاجئ سوري عادوا إلى بلادهم، منذ 9 كانون الأول 2024 وحتى نهاية أيار 2025، متوقّعاً زيادة أعداد العائدين خلال فصل الصيف، خصوصاً مع تحسّن الأوضاع الأمنية والاقتصادية في بعض المناطق السورية.
واقع يفرض نفسه
يبقى واقع تراجع وجود السوريين في حي الفاتح بإسطنبول وتغير ملامح السوق والمعيشة فيه، مؤشّراً على مرحلة جديدة من تجربة الشتات السوري في تركيا، تتسم بمزيد من العودة والتغيرات الاجتماعية والاقتصادية.
وفي الوقت ذاته، يبقى كثير من السوريين الذين لم يقرّروا العودة إلى بلدهم بعد، متحفزين بتحديات الإقامة والاندماج، مع استمرار البحث عن حلول وسطية تضمن لهم حياة كريمة سواء في تركيا أو في سوريا.
تلفزيون سوريا



