
معتقلو الثورة السورية في سجن رومية … د. ناديا أكرم
بين مطرقة الحياة البائسة وسندان الفرج المنتظر
لمَّا أن منَّ الله على سوريا وتنفَّست عبقَ الحريَّةِ بعدَ عقودٍ ستٍ من الظلم والعبودية، سجدَ السوريون لله شكراً على أرض الشام المباركة، وشاركنا الفرحة أحرار العالم أجمع.
لكن شمس الحرية هذه لم تشرقْ على كلِّ السوريين، وبقيَ قسمٌ منهم قابعون في سجون الظلم والحرمان، عطشى لماء الحرية، نعم، سجن رومية ظلَّ حسرةً في قلوب السوريين، أحدِّثكم عن المعتقلين في سجن رومية، معتقلي الثورة السورية المباركة، الذين شاركوا بالثورة منذ انطلاقتها؛ خاضوا المعارك، ونزحوا عن الديار، تركوا الأهل والأولاد، و ضحُّوا بالغالي والنفيس في سبيل الحرية والعدالة، وفي غفلةٍ من الزمن زُجُّوا في هذا الكهف المقيت.
وبهذه السطور المعدودة سأعرض لقطاتٍ ضئيلة من صورةٍ كبيرة، اسمها: معتقلو الثورة في سجن رومية:
سأحدِّثكم عن المجاهدين الأبرار في سجن رومية الذين حملوا على عاتقهم همَّ الشعب، فذاقوا ويلات الحرب وأهوال القصف والغربة عن الأهل والديار.
أحدِّثكم عن الشيخ: أحمد الأسير، الذي كان من أبرز داعمي الثورة السورية، وكانت له إسهامات مهمة جداً في مسيرتها، عن طريق الدعم المادي، وتنظيم الاعتصامات، وقطع الطريق أمام إمدادات القادمة إلى جيش النظام عن طريق أذرعه القذرة (حزب الله) لمحاربة الثورة، ما أدَّى في النهاية إلى رصد كمينٍ محكمٍ للإيقاع به وأسره في معركة عبرا.
أحدِّثكم عن الشيخ: مصطفى الحجيري، الذي كانت له أيادٍ بيض على النازحين السوريين في منطقة عرسال اللبنانية، وكان مناصراً للثورة بماله وبلسانه في خطبه ودروسه التي تحدَّث فيها عن الثورة السورية وأهميتها في إقامة العدل ونشر الحريات، ودحض الاتهامات والأكاذيب التي سعى أذناب نظام الأسد إلى إلحاقها بالثورة والمجاهدين، ودعا إلى دحر نظام الأسد الفاشي ومحاسبته.
أحدِّثكم عن الشيخ: خالد حبلص، من مدينة طرابلس، الذي دعم الثورة بمواقفه المشهودة التي أصرَّت على طلب الحرية لمعتقلي الثورة في سجن رومية، حتى أسس موقفاً شعبياً واسعاً يطالب بالإفراج عن معتقلي الثورة حتى أصبح مصدر أرقٍ وكابوساً لا يبرح أذهان عملاء النظام القاتل، حتى افتعل له حزب الله كميناً (إشكالاتٍ أمنية) وزجَّهُ في السجن.
أحدِّثكم عن الشيخ عمر الأطرش: في منطقة عرسال، الذي دعم الثورة السورية بمواقف الرجولة الباسلة، على الرغم من حداثة سنه إلَّا أنه أحدث فرقاً كبيراً في تأييد الثورة بين عموم الشعب، وكأصحابه من أهل الجهاد اعُتقل بتواطُؤٍ بين حزب الله والنظام السوري.
أحدِّثكم عن أخي المجاهد أبي عبد الله: الذي التحقَ بصفوف الثورة السورية منذ انطلاقتها، خاض المعارك، ترك الأهل والأولاد، وضحَّى بكل ما يملك، إلى أن أصيبَ إصابةً بالغةً في معارك القصير، نُقل على إثرها إلى إحدى المستشفيات اللبنانية لتلقي العلاج، حتّى أتت لحظة الوشاية فاعتقل من المشفى وزُجَّ في سجن رومية.
أحدِّثكم عن سنواتٍ سبعٍ خلف قضبان السجن، وأُخُر تجاوزت العشر العجاف، في انتظار شروق شمس الحرية… أحدِّثكم عن جدران السجن التي ألقَتْ شبَهَهَا على أهلِ الثورة المباركة، وحفرَتْ فيهم هذه السنون خطوط الحزن والغضب والتعب.
أحدِّثكم عن كثيرٍ من السوريين وأنصار الثورة المباركة الذين يذوقون ألوان العذاب كل يومٍ خلف قضبان هذا السجن، يتجرعون مرارته في البعد عن الأهل والديار سنواتٍ طوالٍ، وفي شظف العيش، والغلاء الفاحش والإهمال الطبي، وتفاصيل كثيرة يصعب تصورها، إلا أنهم يترفعون عن ذكرها كبرياءً وعزةً.
أحدِّثكم عن أهالي المعتقلين، معتقلي الثورة السورية في سجن رومية، وقد حُرِمَ معظمُهُم من التواصل مع أبنائهم وإخوانهم بسبب الرقابة المقيتة من أجهزة المخابرات وأذنابهم.
أحدِّثكم عن هذا الشوق البارح الذي اقتطع أجزاءً من قلوب المشتاقين إلى أهليهم خلف جدران سجن رومية، وهم ينتظرون لحظة اللقاء ودفء العائلة.
أحدِّثكم عن الأُسر الصابرة المحتسبة (أهالي المعتقلين) الذين يستبشرون خيراً بالحكومة السورية المظفرة وبمساعيها المحمودة في سبيل خروجهم من السجون، فتلك العائلات الكريمة تجرَّعت مرارة القهر من الحكم الفاشي، فكانت دموع الشوق حبيسة الأجفان خوفاً من التسلط والظلم، وتحمَّلت هذه العائلات العناية بأبناء المجاهدين في السجون: تأديباً وتربيةً وعلماً وعملاً مع صعوبة الحياة والتشرد والنزوح.
أحدِّثكم عن عجائب الصبر المجاهدين في سجن رومية، وقد تحرَّقوا شوقاً لضمِّ أطفالهم الذين صاروا شباباً! أحدِّثكم عن هذا الرغبة الجامحة التي تجتاح قلوب السوريين الأحرار في سجن رومية لِلَثْمِ تراب سوريا الطاهر والسجود على أرضها شكراً لله على نعمة النصر والحرية.
أحدِّثكم عن ذاك الإصرار الغريب والعزيمة الحديدية التي ينقلها لنا المجاهدون الذين قضوا سنوات الثورة المباركة في سجن رومية للالتحاق بكوادر البناء كما التحقوا سابقاً بكتائب الجهاد
بعد هذا الحديث، أطلب من الحكومة السورية الحكيمة، التي أثبتت جدارتها في معارك الميادين والمحافل الدولية والعلاقات الدبلوماسية، واستطاعت رفع العقوبات عن سوريا، وأعادت لسوريا روابط العلاقات الإقليمية والدولية، نطلب منها أن تثبت جدارتها في حل قضية سجن رومية، وتخليص المجاهدين الأبرار من ظلم هذا المكان. نطلب من الحكومة السورية أن تجعلَ قضية معتقلي سجن رومية قضيةً محوريةً لا تبرحها حتى يعود الغائبون إلى وطنهم، لأنَّ تأخير العدالة ظلمُ عظيم.
نرجو من الحكومة السورية التي نخاطبها بهذا السطور الحَييَّة أن تقيم ميزان العدل، وتفكَّ أسرَ المجاهدين، فلهُم عليها حقٌّ كبيرٌ لا يمكن لها أن تتجاهلَهُ، وليس من خُلُقِها أن تتجاهلَ الحقَّ، أو تتوانى في إقامتِهِ.
حان الوقت أن تشتغل كل القنوات الدبلوماسية مع الشقيقة لبنان لحلِّ قضية معتقلي سجن رومية، وحان الوقت لإقامة أفضل العلاقات من اللبنانيين شعباً وحكومةً، بعد أن كانت هذه العلاقات مثقلةً بالمشاكل التي زرعها النظام البائد وعمل على تغذيتها كرهاً وأحقاداً وضغينةً
وأخيراً: ما زالت أستار النسيان تحجب نور الحرية عن أسرانا، أسر الثورة، وما زال معتقلو الثورة السورية في غياهب السجن، على الرغم من تمتع الشعب السوري وأحرار العالم بنسائم الحرية، وعلى هذا فالنصر لم يكتمل بعدُ حتى يخرج المعتقلين وينالوا حريتهم، ويشاركوا الشعب السوري مسيرة الإعمار بعد أن كانوا مجاهدين في سبيل الحرية والعدالة، مرابطين على خطوط الجهاد الأولى.
؟
دمشق: في الثاني من محرم 1447هـ الواقع في 27/ حزيران/ 2025



