
التمويل العقاري في سوريا : حلم “بيت لكل شاب” يصطدم بواقع الأسعار والقدرة الشرائية
أعلن حاكم مصرف سوريا المركزي، الدكتور عبد القادر الحصرية، عن تبني نموذج طموح مستوحى من التجربتين الكندية والدنماركية، مؤكداً أن “السكن ليس رفاهية، بل حق أساسي وركيزة للاستقرار الاجتماعي”.
لكن هذه التصريحات المتفائلة تصطدم بواقع السوق الذي يصفه علي بلوق، صاحب مكتب عقاري، بـ”الجامد تماماً”، حيث يقول: “مقابل كل 30 عملية إيجار، تتم عملية بيع واحدة فقط. الأسعار غير منطقية، ولا توجد مرجعية، فكل شيء يُحسب حسب مزاج المالك”.
هذا الجمود يعكس الفجوة الهائلة بين تكلفة السكن ودخل المواطن، وهو التحدي الذي تواجهه أي مبادرة تمويلية.
من جانبها، تشرح الدكتورة منال الشياح، نقيب الاقتصاديين في درعا، أن أزمة السكن الحالية سببها غياب الاستقرار الاقتصادي، وارتفاع أسعار العقارات بشكل جنوني، وضعف آليات التقييم المهني، مؤكدة أن “الشباب هم الأكثر تضرراً، فالنظام المالي عاجز عن تلبية احتياجاتهم”.
وتلفت إلى أن تقييم العقارات في سوريا يواجه عقبات كبرى، من غياب البيانات الدقيقة إلى تقلبات السياسة واعتبار العقار ملاذاً آمناً للادخار، مما يجعل تطبيق المعايير العالمية مستحيلاً حالياً.
وفي هذا السياق، يرى الباحث الاقتصادي أدهم قضيماتي أن إطلاق نظام تمويل عقاري متكامل يمكن أن يكون خطوة إيجابية، شريطة أن يترافق مع تنفيذ مشاريع إسكانية فعالة خلال فترة قصيرة.
لكنه يحذر من الاعتماد على التمويل الخارجي، مشدداً على أن “الرؤية الأنجع تتمثل في إشراك السوريين أنفسهم، لا سيما المغتربين، في عملية البناء”. ويعتبر قضيماتي أن القطاع العقاري هو “بوابة لتحريك عجلة الاقتصاد”، لكنه يحذر من أن التركيز المفرط عليه قد يكون خطيراً إذا لم يترافق مع نمو متوازن في قطاعات أخرى كالتكنولوجيا والطاقة، مؤكداً أن أي نجاح مرهون بإصلاح جذري للقوانين الناظمة للقطاع.
صوت الشارع يعكس هذا الواقع المرير، فتعليقات المواطنين على وسائل التواصل الاجتماعي تنوعت بين الأمل الحذر والتشكيك الصريح. كتب أحدهم متسائلاً: “القروض بالملايين والراتب بعشرات الألوف، كيف يمكن أن نلحق؟”، بينما طالب آخر بأن تتكفل الدولة ببناء مساكن شعبية بالتقسيط المباشر. يتفق الجميع على أن فكرة “بيت لكل شاب” هي خطوة نحو الكرامة، لكنهم يشككون في إمكانية تحقيقها في ظل الظروف الحالية.
في النهاية، يبقى التمويل العقاري مجرد أداة، ونجاحها لا يعتمد على تصميم النماذج المستوردة، بل على قدرة الدولة على معالجة الأسباب الجذرية للأزمة: كبح جماح أسعار العقارات، رفع مستوى الدخل، تبسيط الإجراءات، ومحاربة الفساد. ما يريده السوريون ليس فقط قروضاً تزيد من أعبائهم، بل بيئة اقتصادية عادلة، ومنازل حقيقية تُبنى على الأرض، لا خططاً تُسطّر على الورق.
؟
مصدر



