
أزمة المياه في إيران : فساد النظام يهدد الحياة والاستقرار

تواجه إيران واحدة من أخطر أزماتها البيئية في تاريخها الحديث، إذ يضع شحّ المياه ملايين المواطنين أمام تهديد وجودي يمسّ حياتهم اليومية ومستقبل الأجيال القادمة. ورغم أن السلطات الحاكمة تحاول تحميل تغيّر المناخ والجفاف والعقوبات الدولية مسؤولية هذه الكارثة، تكشف الحقائق الميدانية والتقارير الدولية أن السبب الجوهري يكمن في سوء الإدارة والفساد البنيوي داخل النظام السياسي نفسه.
أرقام صادمة وتحذيرات دولية
وفقًا لتقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، تُصنَّف إيران ضمن الدول التي تعاني من «إجهاد مائي شديد»، محتلة مرتبة متأخرة بين 190 دولة في العالم. وتشير بيانات وزارة الطاقة الإيرانية إلى أن أكثر من 70٪ من المياه الجوفية قد استُنزفت، وأن استعادتها في كثير من المناطق بات أمرًا شبه مستحيل. وفي محافظات مثل يزد وكرمان وسيستان، يتحدث الخبراء عن «موت المياه» بوصفه حقيقة واقعة.
مشاريع عبثية وقرارات كارثية
من أبرز أسباب تفاقم الأزمة بناء مئات السدود دون دراسة بيئية أو حاجة فعلية، حتى بلغ عدد السدود العاملة أكثر من 600، كثير منها جاء لخدمة مصالح سياسية واقتصادية ضيقة. كما أدت مشاريع تحويل مجاري الأنهار وتجفيف بحيرات تاريخية مثل أورمية إلى اختلال بيئي واجتماعي واسع، انعكس في احتجاجات للمزارعين والمواطنين في أصفهان وجهارمحال وبختياري.
الفساد قبل التنمية
الأزمة المائية في إيران ليست مجرد خلل فني أو طبيعي، بل نتيجة مباشرة لنظام سياسي يضع بقاءه فوق مصالح شعبه. ففي ظل هيمنة الفساد الإداري وغياب الشفافية، تذهب عقود المشاريع الكبرى إلى مؤسسات عسكرية وشبه حكومية، أبرزها الحرس الثوري، ما يجعل أي سياسة لإدارة الموارد الطبيعية محكومة بالفشل.
أزمة مفتوحة على الكارثة
تقرير العديد من الخبراء يؤكد أن ما يجري ليس صدفة ولا قضاءً بيئيًا محتومًا، بل حصيلة منطقية لسياسات استنزاف ونهب الموارد. الحديث عن «إصلاحات مائية» في ظل استمرار هذا النظام ليس إلا محاولة لامتصاص غضب الشارع وتجنب مواجهة الأسباب الحقيقية.
الحل يبدأ من التغيير
في بلد يعاني من فساد ممنهج وانعدام المساءلة، لن تجدي الحلول التقنية وحدها. من جفاف البحيرات والمستنقعات إلى تدمير المياه الجوفية وانخفاض مخزون السدود، تتسع الكارثة يومًا بعد يوم. وأمام هذا الواقع، يرى المراقبون أن الخلاص يبدأ من تغيير سياسي جذري يضع الشفافية والتنمية المستدامة على رأس الأولويات، قبل أن تتحول أزمة المياه إلى تهديد شامل للحياة والاستقرار في إيران والمنطقة.
؟
؟
منصوررخشاني – خاص
كاتب ومحلل إيراني في الشؤون السياسية والبيئية



