
ملياردير الشحن رودولف سعادة في دمشق .. ملامح العلاقة الجديدة بين سوريا وأوروبا؟
في خطوة تحمل دلالات استراتيجية تتجاوز حدود الاقتصاد، استقبل الرئيس السوري أحمد الشرع في دمشق الملياردير الفرنسي-السوري رودولف سعادة، رئيس مجلس إدارة إمبراطورية الشحن العالمية CMA CGM. وتثير هذه الزيارة، التي تأتي في مرحلة مفصلية من تاريخ سوريا، تساؤلات عميقة حول طبيعة التحالفات المستقبلية للبلاد ودور رأس المال العالمي في مرحلة إعادة الإعمار.

رودولف سعادة، الذي تقدر ثروته بنحو 35 مليار يورو لعام 2025، ليس مجرد رجل أعمال. فهو يتربع على عرش واحدة من أكبر ثلاث شركات شحن حاويات في العالم، مما يجعله لاعباً محورياً في أي عملية لوجستية عالمية. لكن أهمية سعادة تتضاعف بالنظر إلى شبكة علاقاته ونفوذه الذي يمتد من دوائر المال إلى أروقة السياسة والإعلام في باريس.

قناة خلفية إلى الإليزيه؟
تُبرز مصادر مطلعة القرب الشديد بين سعادة والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، مما يطرح فرضية أن هذه الزيارة قد تكون بمثابة قناة تواصل غير رسمية لكنها عالية المستوى بين دمشق وباريس. وتكتسب هذه الفرضية وزنًا إضافيًا عند الأخذ بالاعتبار أن شركة CMA CGM هي شريك لوجستي استراتيجي للجيش الفرنسي، حيث تتولى نقل معداته العسكرية إلى قواعده حول العالم. هذا التداخل بين المصالح التجارية والأمن القومي الفرنسي يمنح سعادة نفوذاً استثنائياً وقدرة على التأثير في دوائر صنع القرار.

بوابة إعادة الإعمار وسلاح الإعلام
لا يمكن إغفال البعد الاقتصادي المباشر للزيارة. فشركة CMA CGM مؤهلة لتكون الشريان الحيوي لعملية إعادة إعمار ضخمة في سوريا، عبر إدارة وتأمين تدفق المواد والمعدات من خلال الموانئ السورية.
ومما يزيد من الأهمية الاستراتيجية لهذه الزيارة هو التوسع الأخير لسعادة في قطاع الإعلام. ففي يوليو 2024، استحوذ على مجموعة “Altice Media”، ليصبح مالكاً لوسائل إعلام فرنسية مؤثرة مثل قناة BFM TV الإخبارية وإذاعة RMC. هذه الإمبراطورية الإعلامية تمنحه القدرة على التأثير في الرأي العام الفرنسي والأوروبي، ورسم السردية الإعلامية حول سوريا الجديدة، وهو ما يُعتبر أداة لا تقدر بثمن في أي مرحلة انتقالية تسعى لكسب الشرعية والدعم الدولي.

ويرى مراقبون أن استقبال شخصية بهذا الحجم، تجمع بين القوة الاقتصادية والنفوذ السياسي والسيطرة الإعلامية، هو رسالة واضحة من القيادة السورية الجديدة بأنها منفتحة على بناء تحالفات استراتيجية مع لاعبين دوليين كبار، وأنها تدرك أن معركة إعادة بناء سوريا لا تقتصر على الداخل، بل تتطلب أيضاً بناء جسور مع العواصم الغربية عبر شخصيات قادرة على تمثيل المصالح المشتركة.
تبقى الأنظار شاخصة نحو ما ستسفر عنه هذه الزيارة، التي تبدو كنقطة انطلاق لمرحلة جديدة قد تعيد تعريف علاقة سوريا بأوروبا، وتضع رودولف سعادة وإمبراطوريته في قلب هذا التحول.



