
بعد عودة السوريين.. “عرسال” اللبنانية مدينة أخرى تبحث عن ملامحها
تشهد بلدة عرسال اللبنانية، التي كانت يوماً ما أكبر تجمع للاجئين السوريين في لبنان، تحولاً جذرياً في هويتها الاقتصادية والاجتماعية، بعد العودة الكثيفة لعشرات الآلاف من السوريين إلى ديارهم في أعقاب سقوط النظام السابق.
فمن أصل 140 ألف لاجئ كانوا يقطنون في 136 مخيماً، لم يتبق في البلدة اليوم سوى حوالي 5 آلاف شخص، أي أقل من 10% من العدد الإجمالي، وفقاً لرئيس بلدية عرسال، منير الحجيري. هذه العودة الجماعية، التي تمت عبر قوافل “العودة الطوعية” أو بشكل فردي، لم تفرغ المخيمات فحسب، بل تركت البلدة أمام واقع جديد مليء بالتحديات والفرص.
شوارع هادئة واقتصاد يترنح
التغيير الأكثر وضوحاً كان في تفاصيل الحياة اليومية. تراجعت حركة السير واختفت الدراجات النارية التي كانت تملأ الشوارع. فرغت المحال والمنازل المستأجرة، وتوقف نشاط العديد من المشاريع الاقتصادية الصغيرة التي ازدهرت مع الوجود السوري، مثل معامل الخياطة، ومحامص المكسرات، ومحال الحلويات والمثلجات.
يقول نائب رئيس البلدية، خالد زعرور: “السوريون أدخلوا إلى عرسال حرفاً جديدة رحلت بمغادرتهم”. هذا الفراغ لم يؤثر فقط على حركة السوق، بل خلق أزمة في اليد العاملة.
أزمة اليد العاملة وارتفاع الأجور
أدى رحيل العمالة السورية الماهرة إلى ارتفاع كبير في الأجور، مما أثر بشكل مباشر على قطاعات حيوية مثل البناء. يؤكد المستثمر أحمد كرنبي أن “الأوضاع تغيرت بشكل جذري”، مشيراً إلى أن أجرة العامل اليومية قفزت من 10 دولارات إلى 28 دولاراً. ويضيف بقلق: “إذا بدأ الإعمار في سوريا، فسيتضاعف أجر العامل في لبنان”.
ولمواجهة هذا التحدي، يطالب أهالي البلدة السلطات اللبنانية باعتماد معبر “الزمراني” كمعبر رسمي لتسهيل حركة التنقل وتنشيط العلاقات الاقتصادية مع القرى السورية المجاورة.
عوامل سرعت من وتيرة العودة
تسارعت عودة اللاجئين بفعل عدة عوامل متزامنة. فمن جهة، أدى توقف الأمم المتحدة عن تقديم المساعدات الشهرية إلى زيادة الضغوط المعيشية. ومن جهة أخرى، عززت الحكومة اللبنانية هذا التوجه بقرارها سحب صفة “نازح” عن السوريين اعتباراً من الشهر المقبل.
هذه العوامل، بالإضافة إلى الرغبة في تسجيل الأبناء في المدارس السورية مع بداية العام الدراسي الجديد، دفعت السوريين إلى اتخاذ قرار العودة بشكل سريع.
المشهد في المخيمات يروي القصة بوضوح؛ فمخيم “السلام 2” لم يتبق فيه سوى 4 خيام من أصل 200، بينما أصبحت مخيمات أخرى مثل “من هنا مرّ السوريون” مجرد أطلال. وبحسب مفوضية اللاجئين، فإن أكثر من 114 ألف لاجئ سوري آخر في لبنان قد سجلوا رغبتهم في الانضمام إلى برامج العودة الطوعية، مما ينبئ بأن قصة التحول في عرسال وغيرها من المناطق اللبنانية لم تنته بعد.
/
/
متابعة مصدر



