
“قانون النهب 19” يعود للواجهة : كيف خسر آلاف السوريين منازلهم في مزادات علنية دون علمهم؟
دمشق – (خاص)
عادت قضية “قانون النهب رقم 19” الصادر عام 2014 لتطفو على السطح مجدداً، كاشفةً عن مأساة آلاف السوريين الذين فقدوا منازلهم في مزادات علنية، بعد أن استغلته المصارف الحكومية كأداة منظمة للاستيلاء على ممتلكات المعارضين والمهجرين تحت غطاء قانوني.
وتفجرت القضية مؤخراً بعد أن اكتشف العميد المنشق عدنان اصطيف، ابن مدينة القصير، أن شقته التي اشتراها بقرض عقاري في حرستا قد بيعت في مزاد علني بثمن بخس، دون علمه أو تبليغه، وذلك بسبب ملاحقته أمنياً منذ انشقاقه عن نظام الأسد.
غطاء قانوني لـ “النهب المنظم”
يوضح الخبير المصرفي أنس فيومي، المدير السابق للشؤون القانونية في المصرف العقاري، أن القانون رقم 19 تحول من أداة قانونية إلى “وسيلة منظمة لنهب أملاك المعارضين”.
وأشار إلى أن القانون اختصر الإجراءات التنفيذية بشكل جذري، وألغى مهل التبليغ الضرورية، وسمح ببيع العقارات خلال جلستين فقط في يومين، وبأي سعر يرسو عليه المزاد، مهما كان زهيداً.
وأضاف فيومي أن هذا القانون، الذي تم تسويقه على أنه لحماية أموال المصارف، استُخدم عملياً “كغطاء لتصفية أملاك السوريين في المناطق الثائرة”.
وبحسب الخبير، تركزت المزادات بشكل ممنهج في مناطق ريف دمشق، حلب، حمص، ودرعا، وهي جميعها معاقل رئيسية للثورة السورية.
تجار الحرب هم المستفيد الأكبر
المأساة لم تتوقف عند البيع دون علم المالك، بل امتدت إلى قيمة العقارات. يؤكد فيومي أن “بعض العقارات بيعت بأقل من 10% من قيمتها السوقية الحقيقية”، وفي كثير من الحالات، لم يتم إيداع الفائض من ثمن البيع في حساب المالك الأصلي كما يفرض القانون.
وذهبت معظم هذه العقارات إلى “تجار الحرب والمقربين من الأجهزة الأمنية”، الذين استغلوا الوضع لتحقيق ثروات طائلة على أنقاض ممتلكات المهجرين.
تجاهل متعمد للقوانين الأحدث
المفارقة الصادمة، كما يوضح خبراء قانونيون، هي أن القانون رقم 1 لعام 2016 المتعلق بأصول المحاكمات المدنية قد ألغى عملياً النصوص المخالفة في القانون 19، وأعاد التأكيد على ضرورة التبليغ الحقيقي قبل أي إجراء تنفيذي.
ورغم ذلك، استمرت المصارف في تطبيق القانون القديم، في تجاهل صريح للقانون الأحدث، وبتواطؤ واضح من السلطات القضائية والأمنية آنذاك. وتؤكد مصادر قضائية أن مدير تنفيذ في محافظة حلب تم عزله فوراً بقرار أمني بعد أن رفض تطبيق هذا القانون الجائر.
مطالبات بإلغاء “قانون الانتقام”
يرى ناشطون حقوقيون أن القانون رقم 19 “وُلد في رحم الحرب كأداة انتقام جماعي”، حيث شرعن السطو على الممتلكات الخاصة باسم “حماية المال العام”. واليوم، تتعالى الأصوات المطالبة بإلغائه بشكل فوري، مؤكدين أنه يتعارض مع أبسط مبادئ الدستور السوري وحقوق الملكية والعدالة.
ويعتبر الكثيرون أن إلغاء هذا القانون يجب أن يكون على رأس أولويات مجلس الشعب السوري القادم، لطي صفحة حقبة استُخدمت فيها القوانين لتبرير النهب وتجريد المواطنين من ممتلكاتهم قسراً.





