الرقابة السورية البلهاء …(داعش) بسكين أسود .. سامر رضوان*
ما قاله الكاتبان الصديقان فادي قوشقجي وعلي وجيه، عن قيام الرقيب السوري بحذف مشاهد من عمليهما الدرامي على صفحتهما الشخصية على موقع الفيس بوك، بقصد الإساءة لمنجزهما بكل صفاقة، يجعلني متأكداً أن الزمن لم يمر على التلفزيون السوري وضباط الارتباط فيه، رغم الخضات العنيفة التي تعلم القرد قبل البشر، وهذا يقودني للحديث بالنيابة عنهما، كونهما متورطين بالموسم الدرامي، ولا يملكان حرية الحديث الكاملة عن هذه القضية التي لم تتغير طبيعتها منذ قررت سوريا القبول بالشكل الأمني لقيادة الحجر قبل البشر فيها، والنيابة هنا، لا تعني التكليف او الموافقة بأي حال ، فالقضية عامة خاصة ويحق للجميع مناقشتها.
لا يمكن الحديث عن الرقابة الدرامية في سوريا بمعزل عن الرحم الأمني الذي يفرز (التابو) الرقابي، والأشخاص القائمين على تنشئة ورعاية هذا التابو ، إذ من الضروري قبل البحث عن هوامش الحرية كما أراد البعض تسميتها، أن نبحث في الأفق الفكري والجمالي للذين صنعوا التابو، وتم تدريبهم على تقويض أي محاولة لخلخلة سائد مريض يريدون استمراره .
ولا بد أيضاً من البحث عن أفق منتج التابو وحارسه الشخصي ، وهل ارتقى إلى مصاف المشتغلين في الساحة ، أم كان مجرد فزاعة أمنية صنعها عقل مسكون برهاب التغيير وحرية التعبير، فكان مثار استغبائهم ؟!
على مر سنوات العمل الفكري والفني في سورية، لم يسمح للمشتغلين في ميدان إنتاج الفكرة، أن يفعلوا شيئاً سوى السباحة على الضفاف، وكان الهم الوحيد للشعراء والروائيين والإعلاميين أن يتعلموا طرقاً مبتكرة في التلاعب على الرقيب، لتمرير جملة من المفاهيم التي يودون طرحها، لهذا وبوجهة نظر تحليلية، فإن الدولة مارست من حيث تدري بكل تأكيد، تعليم كتابها ومفكريها على مفهوم الاحتيال، وغدا كل صاحب قلم – بغض النظر عن لونه وطبيعته – باحثاً عن (التعميم) وخياطاً مدركاً لمقاسات غضب السلطة ، وجاهزاً للخروج من المسائلة تحت حجة التورية والكناية وماشابهها من الحيل الأسلوبية، التي سادت، وصارت سمة صاحب القلم السوري .
وفي هذا الصدد راجت جملة من النكات التي تبكي ولا تضحك أحداً منها : أن بإمكانك تحديد هوية الكاتب السوري دون عناء، من سيل الدلالات المطمورة تحت خطابه الخائف.
لهذا كله لا قيمة للحديث عن السنوات الخمس الماضية، وماذا فعلت بالرقيب، القيمة تكمن في العقلية التي يحقن بها الرقيب والرقباء على رقابته، لأن المسألة لا تقف عند حدوده فقط ، بل عند حدود أشخاص يراقبون رقابته أيضاً، إنها دوامة جعلت فعل الكلام مكروهاً في بعض الحالات، وممنوعاً في حالات أخرى، ومحرماً لحظة تسمية الأشياء بمسمياتها، والنتيجة المنطقية لهذه العقلية : نمو ثقافة السراديب التي لا ترى النور ولا ضوء المحاججة والتلاقح ،وظهور سلوكيات ظلامية نشأت وترعرعت في الأقبية، ومن الطبيعي بعد هذا، أن نجد أشخاصاً تمتلك القدرة على القتل وتقطيع البشر بغض النظر عن هويتها، فالمجتمعات المفتوحة والمهواة بشكل جيد ، رقابتها تختلف عن حراس بنائها الأمني .
والغريب أن التغني والشوباش الذي شاع منذ عشر سنوات أو أكثر، هو الجرأة الدرامية السورية، وليس جودة صناعة هذه الدراما، فقد شعر الرقيب والأجهزة التي تديره أنهم يقدمون أعطية ومنحة كبيرة في سماحهم بمرور بعض الأعمال، التي حاول صنّاعها أن يقولوا شيئاً خارجاً (قليلاً) عن المألوف، وصاروا يصفقون لأنفسهم ويهللون لهوامشهم، بدل احترام من فكر وكتب وأخرج ومثل .. يال بؤس ما نحن عليه، إذ حتى المكافأة ذهبت إلى غير مستحقيها (ذهبت للذين سمحوا) والمضحك أكثر أنهم مستفيدون أكثر منا إذا ما رفعوا أيدهم عن الفن وأهله، فهم بذلك يستمرون في غسيل الصورة القديمة، شأن تعيين امرأة رئيساً لمجلس الشعب، الذي حذفتموه من مسلسل (نبتدي منين الحكاية) أو (أحمر)، بالتأكيد وقطعاً ونهائياً، ليس متعلقاً برئيس الجمهورية أو العلم أو الجيش، وأنتم تدعون أن كل شيء مفتوح سوى هذه المفردات المغلقة، حسناً سنقبل هذه الكذبة، شرط أن تصدقوها أنتم .
شاعر وكاتب سيناريو سوري*