أوباما والمسألة السورية .. محمد كريشان
«الخيارات الصعبة التي اتخذها الرئيس أوباما (بخصوص سوريا) ثبت فيما بعد أنها خيارات صحيحة، لكن هذا لا يعني أننا ننام ليلنا بشكل أفضل ونحن نعرف أن التكلفة البشرية لذلك الصراع تكلفة غير اعتيادية»… هذا ما قالته سوزان رايس مستشارة الأمن القومي الأمريكي في مقابلة مع قناة «أم أس أن بي سي» الأمريكية ولعلها المرة الأولى التي يتحدث فيها مسؤول أمريكي ولو تلميحا إلى المسألة الأخلاقية في التعامل الأمريكي مع مأساة سوريا إلى درجة التطرق إلى راحة الضمير من عدمه وهو يؤوي إلى فراشه ويضع رأسه على المخدة.
ليس من عادة المسؤولين الأمريكيين، حتى وهم يغادرون مناصبهم، الخوض في قضايا سياسية شائكة بلغة الضمير الإنساني وتأرجحه بين السكينة والتأنيب، لكن ذلك لم يحل بين رايس وأن تقول وبلغة، لا عواطف فيها هذه المرة، إن «الخيار الصحيح كان عدم توريط الولايات المتحدة بشكل عسكري مباشر في الحرب الأهلية بين الأسد والمعارضة» مقرة بأن هناك من اعترض على هذه السياسة بناء على تجارب سابقة لكنها تعتقد مع ذلك بأن «ما قمنا به كان الخيار الصائب لكنه لا يخفف ما نشعر به من إحباط كبير تجاه كل تلك الخسائر الكبيرة في الأرواح».
باختصار شديد، واشنطن محرجة من هذه التكلفة الإنسانية لمأساة سوريا ولكنها تعتقد أن الأولى في الاهتمام والممارسة هو صيانة أرواح جنودها قبل أرواح السوريين أو غيرهم. يمكن الخوض طويلا في وجاهة وأخلاقية هذا النوع من القناعة التي حكمت وضبطت إيقاع سياسة أوباما في سوريا التي قادها جون كيري الذي بدا في تحركاته واتصالاته مع الروس ضعيفا ومهزوزا إلى أبعد الحـــــدود.
حين كانت رايس تدلي بكلامها هذا كان جون كيري يتحدث إلى قناة أمريكية أخرى. لم يكن في كل كلامه في برنامج «أمنبور» على شاشة «سي أن أن» أية حسرة أو قرصة ضمير، ولو خفيفة، بخصوص الملف السوري. أكثر من ذلك، هو لم ينظر إلى هذه المسألة إلا عرضا وفي سياق الحديث عن مجالات التعاون بين بلاده وروسيا التي «لم تكن سيئة وإن كانت تشوبها بعض المشاكل التي افتعلها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مثل الأزمات التي شهدناها في القرم وسوريا».
وحتى في هذه الإشارة العابرة إلى سوريا لم يضع كيري إصبعه على كارثة مئات آلاف الضحايا المدنيين الأبرياء بل اكتفى بتناول الأمر من زاوية ما حققه من مكاسب في تعاونه مع روسيا التي «كانت داعمة وطرفا في الاتفاق النووي الإيراني، كما أنها كانت مع إخراج الأسلحة الكيمياوية من سوريا، وقد جلست مع نظيري سيرغي لافروف من أجل إخراج هذه الأسلحة، وتعاونا أيضا في الأمور الإنسانية في سوريا، كما كان لنا تعاون على صعيد البيئة في مؤتمر باريس».
هنا كيري لم يكتف بعدم تناول عجزه عن فعل أي شيء لإيقاف مسلسل القتل الأهوج في سوريا ، كقوة عظمى أولى في العالم، مكتفيا بسرد ما فعله بالتنسيق مع لافروف في بعض القضايا الإنسانية، وقد كانت متعثرة وبائسة هي الأخرى، لم يكتف بذلك فقط بل إنه أيضا أحجم عن الإشارة إلى ما فعلته روسيا في سوريا ولو من باب العتاب العابر والخفيف!! لا هو راجع سياسات بلده ولا حتى انتقد سياسات روسيا. روسيا التي لم تحجم عن التدخل العسكري، كما فعلت الولايات المتحدة، بل أقدمت على تدخل خشن لإنقاذ نظام متهالك هبت لنجدته أيضا إيران وكل الميليشيات الطائفية من كل أصقاع العالم بدعوى محاربة الإرهاب والتنظيمات التكفيرية. بعض الحق أريد به تبرير كل الباطل…
وقبل رايس وكيري وبعدهما، ترى ما الذي يمكن أن يقر به الرئيس أوباما نفسه بخصوص سياساته تجاه سوريا طوال هذه السنوات سواء في هذه الأيام القليلة المتبقية من حكمه أو حتى بعد أن يترك لنا خليفته الكارثة. بإمكان أي سياسي أو مراقب أن يتفهم هذه السياسة ويجد لها الأعذار على أساس أن واشنطن استخلصت الدرس جيدا من درس العراق ولا تريد أن تقع في مستنقع آخر فهي في النهاية مسؤولة أولا وقبل كل شيء عن أرواح مواطنيها قبل أية أرواح أخرى. المشكلة هنا، أنه حتى لو وافقنا هذا المنطق فإن إدارة أوباما أظهرت فشلا ذريعا حتى في مجرد اتصالاتها السياسية لإيقاف القتال في سوريا أو الحد منه أو تأمين دخول المساعدات الإنسانية أو السعي الجاد للتوصل إلى تسوية سياسية سواء كانت عبر صيغة جينيف أو من خلال ما تعده الآن موسكو وأنقرة. إنه الفشل الذريع فعلا… يغادر أوباما وبشار الأسد باق.