
شهادة مروّعة جديدة لمعتقل سوري في صيدنايا.. السوريون مهاجرون أم لاجئون؟ الإعلام اللبناني “برغي” في ماكينة “حزب الله”
بث تلفزيون “أخبار الآن” شهادة مروّعة مطوّلة لمعتقل سوري سابق لثلاث سنوات في سجن صيدنايا. الشاهد ضابط سابق، اعتقل في حملة سمّيت، حسبه، “ضربة البغل”، وقد وجّهت لضباط الجيش مع بدايات الثورة في سوريا لمجرد الاشتباه بأنهم قد يحاولون الانشقاق. سنوات مروّعة تحت التعذيب، من غير أمل أو أي اتصال مع العالم الخارجي. مات منهم من مات بأحذية السجان وكرابيجه، وبعضهم جوعاً، أو مرضاً، أو بسبب كل ذلك معاً، إلى أن خرج بعضهم في عملية تبادل للمعتقلين.
روى الضابط أشياء كثيرة تشيّب المولود، لكن انظروا تلك الحكاية الصغيرة بقلب تلك الحكايات الدموية الكابوسية. قال الشاهد إنه قد خرج مرة من السجن إلى المشفى، لمح وسمع واختلس بعض المشاهد، عاد وروى بعضاً منها لزملاء السجن.
لقد تقصّد أن لا يحكي كل شيء كي لا يقضي على أي أمل لديهم (مثلاً كيف رمي جرحى معتقلون وهم أحياء في حاويات الزبالة)، لكن المفاجأة كانت حين تحدّث ذلك الضابط المعتقل العائد من العالم الخارجي كيف لمح طفلاً في الطريق يحمل حقيبة مدرسية. كانت هذه الصورة وحدها كافية لتدفعهم إلى الانهيار.
يفسّر الشاهد المعتقل ذلك بالقول إنهم هناك، في تلك العتمة، وهم في فم الوحش، كانوا يتصوّرون أن العالم واقف من دونهم! اكتشفوا في تلك الساعة أن العالم مستمر في دورانه! ماذا لو عرف أولئك المعذبون أن معارض ومسارح ورقصاً يجري بالضبط فوق تلك الأقبية التي يرزحون تحتها.
أهم ما تعلّمك إياه هذه الشهادة أنه إذا كان لديك شك بأن بوصلتك أضلّت، ولم تعد تعرف من، وأين هو أصل البلاء، بنتيجة عوامل كثيرة، من بينها طول الزمن، بعد المسافة، الخيبات المتتالية، تغيّر الظروف الدولية، ما عليك إلا أن تعود إلى شهادة مماثلة، اختر أي معتقل وأنصت إلى عذاباته هناك. جرّب وانظر ما ستملي عليك البوصلة، إلا إذا كانت بوصلتك محروقة.
مهاجر أم لاجئ؟
“أيها السوري المهاجر”، بهذه اللازمة يخاطب الفنان السوري أيمن زيدان مواطنيه السوريين خارج البلاد في سلسلة منشورات على صفحته في فيسبوك، ليحثّهم على العودة إلى البلاد. اللافت في خطاب الفنان هو تأكيده على كلمة “المهاجر”، كأنما ترك السوريون بيوتهم ومزارعهم وشوارعهم طواعية!
السوريون خارج البلاد، وهم يشكلون تقريباً نصف الشعب السوري، هم لاجئون، أياً كانت أسباب لجوئهم، عظمت أو صغرت، وهم كذلك حتى لو لم يواجهوا تهديداً شخصياً بالاسم، ثم هل كان التهديد الجمعي أكثر رأفة؟ كيف نسمّي صاروخ السكود الذي كان يقضي على حيّ بأكمله؟ ماذا نسمي قصف الطائرات الأعمى فوق مخيم اليرموك؟ كيف نسمي حملات الاعتقال الجماعية، الإذلال الذي تمارسه الحواجز؟
بهذا الإنكار يواجه بعض السوريين مأساة لجوء أشقائهم وشركائهم، حتى أنهم لا يريدون الاعتراف لهم بأسبابهم المشروعة في اللجوء.
برغي في ماكينة “حزب الله”
إعلام لبنان كلّه كان في جرود عرسال، تسابقت فضائيات وصحف وإعلاميون على تسجيل حضورهم هناك. يعرف هؤلاء أن المعركة كانت من السهولة بحيث أن الكل أراد أن يكون بطلاً في الجرود الخاوية. كان الأداء الإعلامي أقرب للاحتفال (للدبكة على وجه الدقة) منه إلى التغطية الإعلامية. لكن الأهم من ذلك ظاهرة التحيات التي راح يوزعها مقاتلو ميليشيات “حزب الله” على المذيعين والقنوات الإعلامية، فهذا الصاروخ للمذيعة الفلانية، وذاك للمذيع الفلاني، لا اعتبارات للحياد والتغطية الموضوعية وخلافها، حتى ولا محاولة للادعاء بذلك. الكلّ أصبح صاروخاً في راجمة “حزب الله”، الإعلام كله أصبح برغياً في “دولة حزب الله”.
بين صور الأمومة وصور التوحّش
نشر موقع “بي بي سي عربي” ريبورتاجاً مصوراً حول ما أثارته صورة نشرتْها ابنة الرئيس القيرغيزي وهي ترضع طفلها. الريبورتاج حمل عنوان “صورة “عارية” لابنة الرئيس القيرغيزي تشعل جدلاً بشأن الرضاعة الطبيعية”. ويبدو أن كلمة عارية حشرت في العنوان باعتبارها “بيّاعة”، كذلك كان مفتتح المقال لا يقلّ أذىً، حيث استُعملت عبارة “صورة للابنة الصغرى للرئيس وهي ترتدي ملابس داخلية وترضع طفلها”، حيث يفترض أن الأصل في الصورة هو إرضاع الطفل، لا ارتداء هذه الثياب أو تلك.
الريبورتاج تحدّث عن الاعتراض على تلك الصورة، الذي بدأ بوالدي السيدة المرضعة، أي الرئيس وزوجته. ورغم أن عليا شاغييفا، وهذا هو اسم ابنة الرئيس، حذفت صورتها تلك، إلا أنها لم تتراجع عن قرارها: “سأرضع طفلي في أي وقت يحتاج فيه وفي أي مكان”.
وأضافت :”هذا الجسد الذي مُنحت إياه ليس عيباً، إن له وظائف ويلبي الاحتياجات النفسية لطفلي، وليس في الأمر أي جنس على الإطلاق”.
هكذا يذهب التقرير ليسرد بعض الحوادث والآراء حول مشهد الإرضاع في الأماكن العامة، فبريطانيا “شهدت واقعة طُلب فيها من سيدة داخل مطعم في فندق كلاريدج الشهير في لندن أن تغطي ثديها أثناء إرضاع طفلها، وهو ما تسبب في إذكاء حالة غضب”.
وفي طهران تقول أمّ: “الناس تركز النظر لي (عندما أرضع طفلي)، وأضطر إلى تغطية نفسي وطفلي أو أتركه جائعاً”. فيما دعا آخرون إلى تخصيص غرف للأمهات والأطفال في مترو طهران.
فيما قالت سيدة من كابول “لا تستطيع (الأم) أن تفعل ذلك أمام الآخرين. وإن فعلت تواجه ردود فعل قوية من كبار السن في العائلة. إنها قضية كبيرة والثقافة تتغير ببطئ”.
إنه حقاً موضوع كبير للنقاش، ويمكن أن يمتد الجدل إلى ما لا نهاية، حول الإرضاع الطبيعي، وظروفه، ومقدار الحرج الذي يمكن أن يتسبب به في مكان عام. لكن أحسب أن المرء لن يمرّ على صور السيدة القرغيزية، سواء وهي ترضع طفلها، أو وهي تحمله بأوضاع مختلفة، من دون نظرة حنان، تشعر حقاً بفداحة اختفاء ذلك المشهد من الأمكنة العامة. هل لذلك علاقة بمشهد العنف الطاغي في حياتنا، بمعنى أن اختفاء هذا المشهد الأمومي الأصيل من الشارع يقابله طغيان التوحش؟ إنه مجرد سؤال.
راشد عيسى | القدس العربي



