المناهج السوريّة الجديدة لعبة أمنيّة قذرة .. عبدالكافي عرابي النجار

في أوائل تسعينيات القرن الماضي تم تعديل مناهج التربية الإسلامية في سورية، فكان أن أضيف درس جديد إلى مقرر الصف الثاني الثانوي فيه إشارة واضحة إلى إنكار ما يفعل عند المقامات والأضرحة ممّا فيه مخالفات شرعية ظاهرة لأسس تعاليم الإسلام، وبعد إقرار الكتاب ثارت ثائرة الموالين من الطائفين بتنوع توجهاتهم الظاهرة (علمانية- يسارية- قومية) واعتبر ذلك إساءة إلى معتقدات دينية للطائفة النصيرية (العلوية) فتمّ استدعاء الموجه الأول لمادة التربية الإسلامية آنذاك ( عبدالمجيد الصالح ) المشرف على التعديل من دولة الإمارات المتحدة، وكان قد أعير إليها في تلك السنة وتمت إحالته إلى التحقيق في فروع الأمن ومع أنّ الرجل من البعثيين القدامى فقد فصل من وظيفته وخسر جميع حقوقه المادية والمعنوية ومنها عقد الإعارة.

تذكرت هذه القصة وأنا أتابع العاصفة المجلجلة التي أثارها النظام الأسدي بإقرار المناهج الجديدة هذا العام ثمّ إصدار قرار بحذفها وإحالة لجنة التأليف إلى التحقيق.      

-لا أشك أبداً أنّ قصة المناهج التي طرحت هذا العام لعبة مخابراتية أمنيّة قذرة أراد النظام الأسدي المجرم من خلالها أن يوصل رسائل عديدة بدءاً من اختيار الأغلفة ومروراً بالسقوط اللغوي والذوقي والتربوي ( والتي ملأ الحديث عنه الصحف ووسائل التواصل الاجتماعي) وانتهاء بإقرار كتاب التربية الإسلامية للصف الأول الابتدائي ثم إلغاؤه.

تمثيلية مخابراتية قذرة لأنّ الأصل في تأليف المناهج أو تعديلها أن يتم وفق إجراءات ومراحل عديدة لا يمكن أن تمرّ من خلالها هذه السقطات التربوية واللغوية والذوقية.

من خبرتي في تأليف المناهج التي تبلغ ست سنين في وزارة التربية والتي عملت خلالها في تأليف المناهج السابقة ولا أدعي أنّها مثالية ولكنها جيدة في ظلّ مناخ ديكتاتوري وبحسب ظروف البلد وواقعها الأمني والتسلطي آنذاك. وقد فصلت مع فريقي من عملنا بسببها عام (2010) وأحالني فرع الأمن القومي إلى وزارة الصحة.

– يتم اختيار فريق التأليف (أو التعديل) من قبل منسق المادة الذي هو عادة الموجه الأول لها.

– يبدأ فريق التأليف (أو التعديل) بالعمل بناء على وثيقة معايير معدّة مسبقاً لهذه الغاية (وهي مستمدة غالباً من السياسة التربوية المستمدة بدورها من فلسفة التربية للبلد) وتوزع المحاور على المؤلفين.

– يجتمع فريق التأليف (أو التعديل) أسبوعياً مرة أو عدة مرات مع المنسق لمناقشة ما كتبه المؤلفون وإبداء الملاحظات عليه وتعديله بناء عليها.

-وبعد الانتهاء من كتابة الدروس ومناقشتها في كل محور من المحاور يتم (التنضيد والإخراج الفني..) ومن ثمّ تعرض على معاون الوزير المكلف برئاسة لجنة المناهج أو (المسؤول عن مناهج مرحلة من المراحل) ثمّ ترجع إلى المؤلفين للتعديل بناء على ملاحظات.

– ثمّ تعرض بعد التدقيق اللغوي على المقومين وهم في العادة عدد من دكاترة الجامعات (حسب الاختصاصات) ثمّ تعود إلى لجنة التأليف للتعديل بناء على ملاحظات المقومين.

– ثمّ ترسل إلى مؤسسات أو أفراد ذوي خبرات تربوية وعلمية للتحكيم. لتقرّ بعد ذلك.

– تقرر المناهج الجديدة (أو المعدلة) على نطاق محدود كفترة تجريبية يتم قبلها تدريب بعض المعلمين على تدريسها   لإقرار مناسبتها للطلاب والمدرسين.

– تقرر المناهج بصورة نهائية على جميع مدارس القطر بعد النظر في ملاحظات المدرسين والأولياء بعد التجربة الميدانية.

– فكيف بالله عليكم مرت هذه المناهج الجديدة بما فيها من سقوط تربوي ولغوي وذوقي على كل هذه اللجان ولمَ لمْ تمر كما هو الإجراء المتبع بمراحل التحكيم والتجريب و..؟؟!.

– ما يظهر من هذه اللعبة القذرة أنّ النظام الأسدي أراد أن يشغل النّاس بهذا الأمر عن حقيقة واقعهم المزري من جميع الجوانب ومنها جانب التربية والتعليم، ثمّ ليظهر أنّه هو الضمانة والحصن الذي يحمي البلد من العابثين والمفسدين، فها هو يغار على اللغة العربية فيرفض أي تفريط في سلامتها والحفاظ عليها، كما أنّه لا يقبل التفريط في أية قطعة أرض سورية، ولو كان ذلك على الخريطة، كما أنّه حامي العلمانية حيث يمنع تدريس كتاب أنشطة للتربية الدينية الإسلامية في الصف الأول.

علماً (وأنا شاهد مباشر على ذلك) أنّ هذا الكتاب ألف من عام 2008 وقد امتنع وزير التربية (علي سعد) آنذاك من طباعته وإقراره بعد مروره بجميع مراحل التأليف والتدقيق والتحكيم بحجة عدم وجود مخصصات مالية كافية لذلك. وعلماً أنّ للتربية المسيحية كتاب أنشطة في الصف الأول وهو موجود من ثلاثين عاماً وما زال.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى