أبناء القائد الخالد بيننا … اغتصبوا الثورة ويتاجرون بأعضائها .. طارق نعمان
عُرفت الأنظمة الديكتاتورية الشمولية بتقديس شخوصها، وإطلاق مسمّياتٍ تصل في بعضَ الأحيانِ حدَّ التأليه والربوبية، وسوريا بطبيعة الحال لم تكُ بمنآى عن هذه الممارسات فارغة المحتوى, مدانةِ التبعيّةِ إنسانيّاً.
من هذه المسميات التي كانت أساس الإيمان والولاء في سوريا أيام حافظ الأسد، المقبور في القرداحة، المعلّم الأول، الفلاح الأوّل، الأب الأوّل، المهندس الأوّل، الهدف منها هو اعتبار هذا “الحافظ ” مؤسّس كلّ شيء، المبارك لكلّ شيء، واجب الطاعة من كلّ شيء.
لن أخوضَ شخصيّاً في جميع التسميات التي كانت متداولةً في برامج التلفزيون التابع للأسد وقتها، والتي يتمّ تبنّيها والانطلاق منها، والاعتماد على الاعتراف بها للاعتراف بالإنسان مواطناً صالحاً غير عميلٍ، لكن ما أريد التحدّث عنه هو مُسمّى الأب الأوّل.
حافظ الأسد الأب الأول وأبناؤه
تحملُ كلمةُ أب دلالاتٍ اجتماعيةً تعكس المسؤولية عن التربية، والإشراف والتعليم والتهذيب والإنشاء، وهذا ما تبنّاه فعلاً حافظ الأسد، فقد أنشأ ووجّهَ وأمر أتباعه وحزبه بما يحتويه من أفرعٍ وشُعَبٍ ووحدات، بتربيةِ الأجيال على الفكر العظيم، والمنطلقات النظرية لحزب البعث التي تعتبر كلَّ من يخالفها عميلٌ يجب محاسبته، وقتله بتهم: إيهان الشعور القومي، العمالة للغرب، العمل ضدّ الممانعة، خدمة الإمبريالية، النيل من هيبة الدولة، وما إلى هنالك من مسمّيات انفردَ بها نظام الديكتاتور الأسد الأب.
هذا الأب الخالد حافظ الأسد المقبور في القرداحة، فرضَ نظام تبعية التابعين، وحكم الحمقى الذي يعتمد سياسة تسويد الحمقى على العقلانيين، ليضمنوا ضبط سير التطوّر الاجتماعي والصناعي والتجاري ضمن قدرة كوادر الحزب البالية، التي كان سقف ثقافتها وجلُّ انجازاتها ترديد الشعار عند بداية كل يوم عمل، وترديده قبل الخروج من الاجتماع، وترديده عند نهاية الاجتماع، فيما تدهور التعليم بتدهور المسؤولين عنه، وتحوّلت الجامعات السورية إلى مراكز استرزاقٍ لكثيرٍ من العاملين فيها، فيما تعتمد سياسة التوظيف في كلّ مكانٍ على مدى قربك من الأب القائد وفكره، وحفظك لكتيّب المنطلقات النظرية، ومدى تصفيقك وقوّة “دبكتك”، ومن لم يمتلك القدرة على ذلك كلّه، وجدَ له الأب الخالد حافظ الأسد المقبور في القرداحة عملاً، فكلّما كنت مثابراً على التجسّس وكتابة التقارير، كلّما أصبحت مكرّماً مدلّلاً محظيّاً من محظيّات ومحظيي رؤوساء الأفرع أصحاب السيارات والكرامة والكلمة المجابة والجاه.
نفسيّاً، أصبحت هذه الصفات هدف كلّ كبيرٍ وصغير، أن يكون مسؤولاً، أن يستطيع التحكّم في مقدرات الناس، أن يأمر وينهي، أن يقول لا عندما يقول الجميع نعم، وإن كانوا على حق أن يهدم ما يبنونه فقط لأنّ لديه القدرة على ذلك، أو لأنّه لم تتم استشارته في هذا الأمر أو ذاك، هؤلاء الأشخاص كانوا من جهة تملؤهم النقمة على نظام الأسد بكل ما يحمله من ديكتاتورية وتسلّط وظلم وجريمة، فيما نمت في داخلهم عقدة النقص، وتغلغلت ضمن غرائزهم مفاهيم السيادة المتسلّطة، وهَدمُ كلّ صحيحٍ إن لم يأمروا به، أو منع كلّ إصلاحٍ في مؤسّساتهم إن كان سيعرّي جهلهم وفشلهم في قيادتها نحو النجاح، مفضّلين البقاء تحت خط الجهل والتخلّف على التحليق في فضاء الإنجاز والإبداع، طالما أنّ ذلك سيبقي زمام الأمور في أيديهم.
أبناء الأسد منتشرون بيننا
هذا التصدي لكلّ إنجازٍ وكلّ إصلاحٍ، يعرّي من ربّاهم الأسد بشكلٍ مباشر أو عبر حلقاته الحزبية، أو حتّى عبر إهمال أجهزته الحزبية والمخابراتية لهم، كونهم لم يحقّقوا النجاح حتى في كتابة التقارير.
هذا التصدّي يحتاج إلى الكثير من الجهد والتآمر والحياكة في الظلام، والكثير من العصي المخصّصة للعجلات، وحال ملاحظتهم لما يعرّضُ نفاقهم وفشلهم في الإدارة أو الإنتاج للخطر، يبدأون بتقمص شخصيات رؤوساء الأفرع المخابراتية في حياكة المؤامرات ضدّ موظّفيهم، أو كتابة التقارير ورفعها للمنظمات الداعمة، أو كتابة المقالات والتهجّم على إنجازٍ لتخوين صاحبه، الأمر الذي أفرغ 99 بالمئة من المؤسسات الثورية من الخبرات الحقيقية، والاعتماد على الأقارب، وعلى مستجدّي المهنة فقط لأنّه يمكن السيطرة عليهم، وينفّذون الأوامر، وفي بعض الأحيان يصفّقون. في حين يبقي البعض على مرض كامل في مؤسسته فقط تحقيقاً للولاء الديكتاتوري، ولسان حاله يقول: إن تفشل المؤسسة كاملةً خيرٌ من أن يقولَ موظّف فيها: إنّ فلاناً طردني من العمل كوني فاشلاً على الرغم من مشاركتي له في تأسيس الإذاعة، أو الجريدة أو الموقع.
“بعلمك الصحافة والتحرير بساعتين”
فيما يختار آخرٌ أن يحوّل منبراً إعلاميّاً، وظيفته كشف الجرائم بحقّ الشعب، ومحاربة الماكينات الإعلامية المدافعة عن الأسد بأساليب علمية دقيقة معترف بها دوليّاً، يحوّل هذا المنبر إلى جمعية خيرية يوظّف فيها معدومي الكفاءات، جاهلي المهنة، وعند سؤاله يتنطّع بأنّه يوظّفهم كونهم أيتام وبحاجة للقمة العيش، وأنّه الرزّاق من دون الله، حارقاً كلَّ ما يمكن أن يقوم به الإعلام الاحترافي من دور في الثورة، وإيصال صوت المظلوم. وحين تسأله لماذا لا تحوّل المؤسسة الإعلامية إلى مؤسسة خيرية أجدى وأنفع وأرحم للثوار، يجيب: “مش شغلتي الأعمال الخيرية هي مسؤولية صعبة”.
لن تنجح ثورة في ظهرانيها أبناء الأسد
هؤلاء هم أبناء حافظ الأسد المقبور في القرداحة، هؤلاء هم من ربّاهم حافظ الأسد على التسلّط والأنانية ونكران حقوق الآخرين، هؤلاء من علّمهم بعث الأسد على هدم كل شيء إن لم يصب في مصلحتهم الشخصية، ومحاربة كلّ من يكشفهم.
لقد احتلّ أبناء حافظ الأسد المقبور في القرداحة المراكز العليا في منظمات وجهات رسمية وغير رسمية، حتى أصبح المهندس خبيراً في التفاوض، والمدرّس عالماً في القانون الدولي، والمحامي منظّراً عسكريّاً، وأصبح المسؤول عن جهة تعبّر عن الانفصال عن الأسد، وتمثّل جزءاً فاعلاً عاملاً ضدَّ الأسد، أصبح يفلسف مفهوم الثورة ليقسّمها إلى أنواعٍ وبنود، ليبرّر للأب الخالد في قبره أنّه لم يخنه، ولم يخن تعاليمه في الولاء والانبطاح تحت قاذورات حزبه السياسية، فهو أي هذا المسؤول منقلب على العادات الاجتماعية لا النهج السياسي العسكري القاتل.
توطئة 1
لم أورد أيّ مثالٍ على ممارسات ديكتاتورية الأسد لا لقصور المبنى، إنّما لتعميم المعنى، فذكر مثالٍ واحد أو ألف مثال سيبقى ظلماً في حقّ من عانى تحت نير الأب الخالد حافظ الأسد المقبور في القرداحة. أمّا التسميات التي سيطالبني فيها المتنطّعون المتضرّرون ممّا كتبت، فلن أجيب عليها لعموم البلوى، فمن ديكتاتور كاد أن يضعَ كاميرات المراقبة في حمامات مؤسّسته لاستعباد موظّفيه، إلى منبطح بين أحذية الداعم، مسترضعاً المال بالدولار، بائلاً في جيوب موظّفيه فتات عملات أقلّ قيمة ليحصل على فرق الصرف، مروراً بجاهلٍ تمطّى ليصل قمّة مؤسّسةٍ تعليميةٍ لا يعرف مآلات مناهجها، ولا يستطيع ذكر الفرق بين الجبر والهندسة.
توطئة 2
هناك نوعان من أبناء الأسد
الأوّل مسؤول لا يفقه مما يُسأل عنه شيئاً، يدمّرُ الخبراء كي يخدم كرسيه.
الثاني حمقى يحاربون مسؤوليهم المتخصّصين كي يبعدوا عنهم خطر الطرد، وخطر المهمّات المطلوبة، وخطر كشف تلاعبهم وأكاذيبهم.
توطئة 3
أنصح عند قراءة المقال بالاستماع لأغنية: لنرفع الجبين للأبد شبيبة لحافظ الأسد.
توطئة 4
ما كُتبَ أعلاه لا يشمل المتسلّطين الإعلاميين، الفارضين على حياةِ موظّفيهم الاجتماعية، والشخصية، والفكرية، والذاتية، والعامّة، وحتّى على أحلامهم، بنودَ سياسة التحرير، المتسلّطين أنفسهم الذين منعوا حرّية التعبير على موظّفيهم بحجة حرية التعبير، والذين ساهموا عن سبقِ الإصرار والترصّد _ ومازالوا _ في ترسيخ مبادئ الأب الخالد حافظ الأسد المقبور في القرداحة عند أبنائه، لأنّ هؤلاء المتسلّطين يدخلون في تصنيف جنود الأسد لا أبنائه .. لذا وجب التوضيح