أين جثة 260 إسرائيلياً قُتلوا في حفل موسيقي؟ .. فدوى حلمي
واحدة من المزاعم الرئيسية التي قامت عليها رواية الاحتلال الإسرائيلي لإضفاء صبغة الضحية على جرائمه في غزة، هي مقتل 260 إسرائيلياً في حفل موسيقي يبعد 3 أميال عن الحدود مع غزة. تم تبني الرقم كحقيقة من الإدارة الأمريكية والمجتمع الدوليّ، ولم يُشكك فيه أحد، رغم أن هذا الرقم تشوبه مجموعة من الادعاءات المتناقضة، وأجزاء مهمة مفقودة من الرواية.
مصدر الرقم:
مصدر الرقم هو المنظمة اليهودية الدينية (زاكا)، وهي منظمة تطوعية تأسست عام 1995 على يد متشددين يهود في فلسطين المحتلة، يعملون على جمع رفات القتلى الإسرائيليين لدفنها وفق الشريعة اليهودية، وحصلت المنظمة في 2005 بشكل رسمي على مسمى “منظمة تطوعية إنسانية دولية” من الأمم المتحدة.
أي إنّ الجهة التي أعلنت الرقم ليست منظمة طبية ولا هيئة تحقيقية ولا منظمة رسمية تابعة لأي تسلسل هرمي في الهيكلة الحكومية الإسرائيلية، ولم تأتِ أي منظمة تحقيقية أو طبية مستقلة على تأكيد لهذا الرقم.
حتى اليوم لم تُقدم الحكومة الإسرائيلية رقماً واضحاً عن عدد الأسرى الذين بحوزة المقاومة، ممن حضروا هذا الحفل، رغم أنه ووفق الرقم المُتبنى 260، فعدد القتلى يُفترض أن يكون حتمياً، وبالتالي عدد الأحياء يُحسب تلقائياً بين الذين نجوا من الأسر وأولئك الذين وقعوا فيه، فلماذا ترفض تقديم هذا الرقم حتى اليوم؟
طلب الإخلاء.. وتضارب التوقيت:
وفق تحقيق نشرته “وول ستريت جورنال” في الحادي عشر من أكتوبر/تشرين الأول حول الحادثة، أفادت أنه في الساعة 6:30 صباحاً تم طلب الإخلاء من جميع الحاضرين، ويظهر صوت في مقطع الفيديو الذي نشرته الصحيفة لأحد المحتفلين يتساءل: لماذا؟
وهذا التساؤل يحتاج أن نتوقف عنده، فإذا كان المهاجمون في الحفل يقتلون 260 إسرائيلياً، فما داعي تساؤل أحد المحتفلين لماذا نخلي المكان؟ ما يشي أنه لم يكن هناك تهديد يعاينه الحاضرون يضطّرهم إلى الإخلاء. وأفاد التحقيق بأن المهاجمين بدأوا في الساعة 7:40 صباحاً سد الطريق الخارجي للحفل الجنوبي البعيد، وبحسب التحقيق ففي الساعة 8:30 صباحاً وصل الأمن الإسرائيلي لمنع وصول مهاجمي حماس إلى الحفل، أي إنهم حتى هذا التوقيت لم يصلوا موقع الحفل بعد، وما زالوا على الطريق.
والسؤال هنا من الساعة 6:30 صباحاً وحتى 8:30 لماذا لم يتم إخلاء الحفل وإجلاء الحاضرين؟ فإذا كان تمّ بالفعل، فكم كان عدد المتبقين منهم ليقع 260 قتيلاً من إجمالي العدد من غير الأسرى؟ أين الصور؟
مقاطع الفيديو المتناقلة عبر وسائل التواصل الاجتماعي لروّاد الحفل، تلخصت في مقاطع الاحتفال أو كما ذكرنا سابقاً لقطات الطائرات الشراعية غربي الحفل في السماء، أو لقطات خلال ارتياد روّاد الحفل سياراتهم للهرب، أو وهم مختبئون تحت الشجر وبين الصخور. أما الصور التي نشرتها وسائل الإعلام فهي لقطات عقب الحادث، حيث خيام المهرجان الفارغة والسيارات المهجورة ومتاع الحاضرين المتناثرة.
فأين صور المهاجمين من المقاومة على الحاضرين الذين قتلوا 260 إسرائيلياً؟
وفق CNN فإن السلاح الذي استخدمه مقاتلو حماس في هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول هو AK-47s والذي يحوي ذخيرة بمعدل 30 رصاصة، وبهذا فصوت الرصاص سيُسمع بوضوح على مسافة تتراوح بين 1-3 كم لعدم وجود مبانٍ في المنطقة أو عوائق للصوت. ولتفريغ المخزون بالضغط السريع على الزناد سيحتاج ذلك من 2 إلى 3 ثوانٍ، أي إن هناك 600-700 رصاصة أُطلقت كل دقيقة واحدة دون تنظيم لسرعة الإطلاق في الحدّ الأدنى، ومع ذلك لا توجد لقطة واحدة مصوَّرة لهذا المشهد في ساحة الحفل.
وفق صحيفة “ديلي ميل”، ومن خلال شهود العيان الذين أدلوا بشهادتهم في تقرير الصحيفة، فإن سيارات ودراجات المهاجمين كانت تُغلِق الطريق الرئيسي، ولم يكونوا داخل مضمار الحفل، ومن خلال تتبع الصور ستجد أنّ الصورة الوحيدة للمقاتلين التي تُعرض في التقارير الإخبارية ذات العلاقة المباشرة بهذا الحفل، هي في مكان يبدو مرآبا حيث مجموعة من السيارات تقف هناك، ووفق تحقيق “وال ستريت جورنال” فالتوقيت لهذه الصورة هو حوالي الساعة 9:30 صباحاً، وهذه اللقطات هي أقرب نقطة لموقع الحفل تشمل مقاتلين، لكنها لا تشمل صور جثث مترامية، بل تُظهر المقاتلين وهم يحتجزون إسرائيلياً واحداً وامرأة ويتحققون من وفاة آخر – وفق تحقيق “وول ستريت جورنال” – ويظهر المكان من حولهم خالياً.
أين صور الجثث الــ 260 إذن؟
وفق “ديلي ميل”، فقد نشر الحساب الرسمي للحكومة الإسرائيلية على منصة “X” صورة وحيدة لأكوام جثث ملقاة ومغطاة في خيمة صغيرة، إشارة إلى أنهم قتلى الحفل، الصورة تحوي أكياس جثث على الأرض في رقم تقديري بحوالي 25 عنصراً على الأرض لما تتضمنه الصورة من عناصر أخرى ليست واضحة ضمن مساحة صغيرة محدودة، ووفق تقرير CNN طُلب من المحققين التعرّف على هوياتهم، فإذا كانت الحكومة الإسرائيلية ليست متحققة من هويات الجثث التي جمعتها، فمن أين أتت منظمة زاكا بالرقم “260” الخاص بقتلى الحفل الموسيقي؟
هل هناك 260 جثة إسرائيلية؟
هذا المقال ليس للإجابة عن هذا السؤال، سواء أكان هناك فعلاً 260 جثة أم لا، فإنّ السؤال الذي نحتاج لطرحه على الإدارة الأمريكية والمجتمع الدولي، وعلى كل من سارع إلى تبني الرواية الإسرائيلية حول هذا العدد، ثم أتى خلال اليوم العشرين من الإبادة الجماعية لغزة ليشكك في عدد شهداء مجازر الاحتلال الذين نراهم ليل نهار على الشاشات بالبث الحيّ وفي المقابر الجماعية، لماذا لم تُطرح هذه الأسئلة على الجانب الإسرائيلي بالرواية المليئة بالثقوب وعدد التساؤلات الراشح منها؟
لطالما فشلت أمريكا في حساب الأرقام عندما تتعلق المعادلة بالدماء العربية أو المسلمة، فوزيرة الخارجية الأمريكية سابقاً “مادلين أولبرايت” لخّصت سياسة الأرقام في القاموس الدموي الأمريكي لدى إجابتها عن سؤال: إذا كان الأمر يستحق قتل نصف مليون طفل عراقي؟ أي أكثر مما قتلته القنبلة الذرية من أطفال في هيروشيما كما جاء في السؤال، لتجيب: “نعتقد الثمن يستحق ذلك”.
ولطالما أجادت أمريكا لعبة الأرقام عندما تتعلق المعادلة بالدماء الزرقاء، فوفق صحيفة “واشنطن بوست” تُقدّر التكلفة البشرية للحرب الأمريكية على الإرهاب منذ أحداث 11 سبتمبر/أيلول وحتى مايو/آيار 2023 ما يتراوح بين 4.5- 4.6 مليون عربي ومسلم مقابل حوالي 3 آلاف قُتلوا في هجمات 11 سبتمبر/أيلول، أي إنّه مقابل كل أمريكي واحد هناك 1.533 مسلم وعربي قتيل على أقل تقدير والتكلفة لا تزال جارية.