
مهاجر سوري شمال فرنسا: “فقدتُ والدي في المانش ولا أعرف أي شيء عن مصيره”
أسامة أحمد، شاب سوري (20 عاماً) حاول عبور المانش مع والده نهاية تشرين الأول/أكتوبر الماضي، لكن قاربهم المطاطي انفجر وسط البحر وفقد الشاب والده في الظلام الحالك. يروي أسامة لمهاجرنيوز ما حدث معه في تلك الليلة.
“خرجت مع عائلتي من سوريا (ريف حلب) قبل نحو 11 عاماً، وعشنا طول هذه السنوات في تركيا. لكن ومنذ العام الماضي، قررت أنا ووالدي (أحمد أحمد، 54 عاماً) أن نغادر تركيا للتوجه إلى المملكة المتحدة، لأن أخواي يعيشان هناك. أردنا أن نسير على خطاهما، بالذهاب إلى اليونان ثم فرنسا، ومحاولة عبور المانش.
من تركيا حتى شمال فرنسا
قبل شهرين ونصف، غادرنا أنا ووالدي تركيا متوجهين إلى اليونان، وصلنا إلى جزيرة ليسبوس بعد قضاء أربع ساعات في البحر، تعرضنا للاحتجاز لمدة ثلاثة أيام في مركز للشرطة، قبل نقلنا إلى مركز لطالبي اللجوء في ميتيليني. طلبنا اللجوء وانتظرنا خمسة أسابيع تقريباً إلى أن حصلنا على حماية لمدة ثلاثة سنوات، ومن ثم غادرنا باتجاه أثينا وصعدنا على متن طائرة متوجهة إلى باريس.
بمجرد وصولنا إلى باريس، استقلينا حافلة إلى كاليه ووصلنا إلى مخيم بالقرب من موقف القطارات وبجانبه كنيسة. بقينا هناك 15 يوماً تقريباً، حاولنا خلالها العبور ثلاث مرات، آخرها في 23 تشرين الأول/أكتوبر.
كيف كان الوضع في المخيم؟ حالنا كحال باقي الأشخاص هناك، كنت متحمساً للوصول إلى بريطانيا، ولقاء أخواي، أحدهما لم أره منذ أكثر من أربعة أعوام.
ثلاث محاولات لعبور المانش
في أول محاولة، أوقفتنا الشرطة الفرنسية قبل أن نصل إلى الشاطئ وقبل أن نرى القارب. وفي المحاولة الثانية، عثرت الشرطة علينا بينما كنا نحمل القارب ونركض إلى الشاطئ، وقاموا بثقبه ودفعونا إلى الخلف.
أما وفي المحاولة الثالثة 23 تشرين الأول/أكتوبر، بدأ يومنا الساعة السابعة صباحاً، مشينا لمدة 14 ساعة، قادنا المهربون في طرق فرعية بين الأراضي الزراعية. أذكر أننا جلسنا بجوار قلعة على الطريق لأن الأمطار كانت تهطل بغزارة، قبل أن نتابع المسير بين الحقول، وجلسنا مجددا بين الأشجار، وبقينا على هذا المنوال إلى أن وصلنا إلى منطقة فيها أحراش وسط الظلام، وانتظرنا إشارة المهربين.
وبمجرد أن أمرونا بالركض إلى الشاطئ، وجدنا القارب على بعد عدة أمتار داخل البحر، وصعدنا على متنه.

عدنا إلى الشاطئ، لكن المهربين أمرونا بالعبور مرة أخرى إلى البحر
بعد أن قطعنا مسافة 1 كلم في البحر تقريبا، بدأت المياه بالتسرب إلى القارب، فعدنا أدراجنا إلى الشاطئ، كان المهربون بانتظارنا وقالوا لنا إنه من الطبيعي أن تتسرب المياه إلى داخل القارب، وأمرونا بالعبور مرة أخرى.
وبعد أن ابتعدنا بشكل كبير عن الشاطئ، انفجر القارب من مكان تثبيت الحبل على الجوانب، غالبا لأن عدد الأشخاص (60-70 شخصا) الذين كانوا يتمسكون به أكبر من طاقته. وبدأ القارب يفرغ من الهواء وسقطنا في الماء.
التففنا حول القارب وهو شبه طافٍ، وتمسكنا بجوانبه، كان الظلام دامسا ولم أتمكن من رؤية أي شيء حولي، لكنني فهمت أن هناك جثة داخل القارب.
عملية الإنقاذ
بدأنا بالصراخ وحاولنا التجديف باتجاه الشاطئ، لكننا لم نفلح بذلك، وبدأنا بفقدان الأمل.
في حدود الساعة الرابعة فجراً، رصدتنا باخرتان كانتا تعبران بجانبنا دون تقديم أي مساعدة، وبعد نحو ساعة ونصف، وصلت فرق الإنقاذ.
بمجرد إنقاذي، فقدت الوعي لأنني كنت أعاني من حروق من الدرجة الثانية في الجزء السفلي من جسدي، بسبب اختلاط مياه البحر بوقود محرك القارب. ولم أستيقظ حتى المساء، ووقتها بدأت بالبحث عن والدي، وسألت الجميع عنه: المشافي ومراكز الشرطة والجمعيات، ولا أثر له.
بعد نحو يومين، استعرت هاتف شخص في الشارع وتواصلت مع والدتي التي لا تزال في تركيا وأخبرتها، كانت تعتقد أنني أيضاً من بين المفقودين. لا تزال أسرتي تحت الصدمة، فلم نكن نتوقع أن مثل هذه الحوادث تقع في المانش، وحتى طوال الفترة التي قضيتها في كاليه، لم يذكر أحد أية حوادث أو احتمالات لوقوعها.
سمعتُ أن السلطات قالت إنها أنقذت 48 شخصاً، وإنها انتشلت ثلاث جثث، لكن هناك 14 شخصاً لا يزالون مفقودين، أعرف شخصاً آخر غير أبي، من ريف حلب، كان على متن القارب ولا يزال مفقودا. ما هو مصير كل هؤلاء الأشخاص؟”
وكانت قد أعلنت المحافظة البحرية للقناة وبحر الشمال، صباح الـ23 من تشرين الأول/أكتوبر، أن طواقم الإنقاذ انتشلت جثث ثلاثة مهاجرين وأنقذت 48 آخرين تلك الليلة، دون ذكر أي معلومات عن احتمال فقدان مهاجرين.



