“الشاورما”.. تركية أم ألمانية؟

 

طلبت الحكومة التركية من المفوضية الأوروبية الاعتراف بطبق “الشاورما” وأصوله التركية وتسجيله كمنتج تقليدي باسمها لدى دول الاتحاد الأوروبي، بعد أن أصبحت تلك الوجبة الخفيفة، التي يفضل كثيرون تناولها خلال أمسياتهم، محور نقاش في ألمانيا حاليا.

وإذا كان هناك أي شيء يوحّد سكان برلين، فهو شغفهم بتناول الشاورما، فالجميع بلا استثناء، من موظفي المكاتب الذين يبحثون عن وجبة غداء سريعة، والأطفال أثناء عودتهم إلى المنزل من المدرسة، وأولئك الذي يقضون أمسيات، يحرصون على التوقف عند مطاعم الشاورما العديدة المنتشرة في المدينة.

فما من شيء يجذب سكان برلين، عندما يشعرون بالجوع، إلا اللحم البقري المتبل والمشوي على سيخ عمودي، ومقطّع إلى شرائح رقيقة توضع في الخبز مع مزيج السلطة المفتتة، وصوص الثوم.

 

إنها نسخة ألمانية من “الشاورما” التركية التقليدية، التي تُقدم بنفس نوعية اللحم البقري مع طبق من الأرز والسلطة.

وإذا نجحت الحكومة التركية في تحقيق هدفها، فقد يُمنع كل مطعم لبيع الشاورما في ألمانيا، والتي يصل عددها إلى ما يزيد على ألف مطعم في برلين وحدها، بحسب موقع “زور برلين”، من بيع الشاورما تحت هذا الاسم.

وكانت الحكومة التركية قد قدمت طلبا مؤخرا إلى المفوضية الأوروبية من أجل الاعتراف بالشاورما كطبق تقليدي تركي، وهذا من شأنه أن يمنح أنقرة نفس المكانة التي تتمتع بها البيتزا التي تشتهر بها مدينة نابولي في إيطاليا أو لحم الخنزير المقدد في إسبانيا.

وكانت وزارة الأغذية والزراعة الاتحادية الألمانية واحدة من بين 11 منظمة قدمت اعتراضا على طلب تركيا، وقال متحدث باسم الوزارة في بيان لبي بي سي: “علمنا بالطلب المقدم من تركيا واندهشنا”.

وأضاف البيان: “ساندويش الشاورما جزء من ألمانيا، وتتنوع طرق إعدادها على نحو يعكس التنوع في بلدنا، ويجب الحفاظ على ذلك”.

وقال: “نحن حريصون على ضمان أن تظل الشاورما تُقدم بنفس طريقة إعدادها هنا، من أجل عشاقها”.

وقال موقع “زور برلين” إن الطريقة التي تصنع بها برلين الشاورما، وتتبناها جميع المدن الألمانية، نشأت في أوائل سبعينيات القرن الماضي، وادعى رجلان منفصلان أنهما أول من صنعها.

كان محمد أيغون وقدير نورمان من بين موجة “العمال الوافدين” الأتراك الذين ساعدوا في دعم الاقتصاد في ألمانيا في أعقاب الحرب، واستعانوا بالشاورما التركية التقليدية وطوروها إلى شطيرة سهلة الأكل، على نحو أصبحت به الآن تمثل قوة اقتصادية.

وتقول جمعية منتجي الشاورما الأتراك في أوروبا، ومقرها برلين، إن مبيعات الشاورما تبلغ سنويا نحو 2.3 مليار يورو في ألمانيا وحدها، و3.5 مليار يورو في شتى أرجاء أوروبا. كما أصبحت هذه الشطائر أداة تستخدم في أغراض سياسية، ففي وقت سابق من العام الجاري طالب حزب اليسار الألماني “دي لينكه” الحكومة بفرض حد أقصى لسعر الشطيرة، ورفضت الحكومة ذلك.

ويقول لدينيز بوخولز، أحد المشاركين في مطعم لبيع الشاروما، إن رفع هذه الشطائر الخفيفة إلى مرتبة الوجبة الأساسية اليومية يعد إنجازا رائعا حققه جيل من الرجال الأتراك.

وأضاف: “لم يدوّن أحد أي شيء، بل كانت وصفة إعدادها يتناقلونها شفهيا، ولم يكن المجتمع يقدّر مجهودهم (في ذلك الوقت)، لكنهم فعلوا ذلك باقتناع”.

وبوخولز، ألماني من أصول تركية، يشارك في امتلاك مطعم “Kebap with Attitude” في برلين، وهو مطعم يتبنى طرقا عصرية في تقديم طبق الشاورما، إذ يقدمه بإضافة نوع من النكهات الحديثة التي أصبحت الآن قياسية في إعداد البيتزا والبرغر.

وتتنوع الاختيارات التي قدمها المطعم من بين الشاورما المصنوعة من لحم الدجاج مع إضافة صوص المانجو والتوت البري والسمسم والكزبرة، والشاورما المصنوعة من مكونات نباتية مع القرنبيط والرمان، والشاورما المصنوعة من اللحم البقري مع الهليون الأخضر والبطاطس المشوية والكمأة المبشورة.

ولا يسمح المقترح التركي بعمل أي من هذه التعديلات، نظرا لأن الأتراك ينظمون كل شيء حتى عرض كل شريحة من اللحم (يصل سمكها بين 3-5 مم)، ويشترطون أن يكون اللحم البقري المستخدم من ماشية لا يقل عمرها عن 16 شهرا، وأن يكون اللحم متبلا بكميات محددة من الدهون الحيوانية والزبادي أو الحليب والبصل والملح والزعتر، بالإضافة إلى الفلفل الأسود والأحمر والأبيض.

وعلى الرغم من ذلك، لا يؤمن الجميع بالشاورما محددة المواصفات بدقة، وتقول ماري إيشين، مؤرخة في مجال الطهي كتبت كثيرا عن تاريخ المطبخ التركي، إنها شهدت تطور الشاورما خلال عقود عاشتها في تركيا.

وتقول في البداية نلفت إلى أن الشاورما المصنوعة من اللحم البقري الذي يُقدم في شتى أرجاء تركيا اليوم، هو ابتكار حديث، وتضيف: “كنت هنا في سبعينيات القرن الماضي، وكانت الشاورما تُصنع دائما من لحم الضأن. لا أعرف كيف حدث هذا التغير، لكن يبدو أنهم أقنعوا الناس بأن لحم الضأن دهني ومضر بالصحة. وكثيرون هنا لا يتناولون لحم الضأن على الإطلاق، بل يأكلون اللحم البقري فقط”.

وتقول: “إذا لم تضللني ذاكرتي، أتذكر أني تناولتها مع بعض شرائح البصل، لم تكن تُقدم مع الطماطم والفلفل كما يفرضون عليك اليوم”.

وكانت إيشين قد أعدت دراسة عن تاريخ الكباب في ورقة بحثية بعنوان “ثقافة الكباب العثمانية وظهور الشاورما”، وتقول: “إنه تاريخ مليء بالثغرات الكبيرة”، مشيرا إلى أن كلمة “شاورما” لم تظهر في مصدر عثماني مكتوب حتى عام 1908، على الرغم من أن أقدم الصور لشواء الشاورما على سيخ أفقي تعود إلى القرن السابع عشر، في لوحتين صغيرتين ضمن ترجمة تركية للقصيدة الفارسية الملحمية، “الشاهنامة”.

وتضيف: “لا توجد معلومات كثيرة عن ذلك، لكننا نعلم أنه لابد أنها كان موجودة، لأنه فجأة في القرن التاسع عشر، جاء سائحون أجانب وتحدثوا عن الشاورما. ويبدو الأمر كما لو انها كانت منتشرة في كل مكان لدرجة أن أحدا من السكان المحليين لم ير ما يدعوه إلى أهمية الحديث عنها”.

وتميز المطبخ العثماني تقليديا بتقديم أصناف من اللحوم المشوية، بما في ذلك القطع الصغيرة من لحم الضأن التي تُقدم على سيخ وتسمى (شيش كباب) واللحم المشوي في الفرن ويسمى (تاندير كباب). وكانت الشاورما عبارة عن قطع صغيرة من اللحم المشوي على سيخ دوار، وهي في الأصل من الأطعمة الخارجية والشائعة في النزهات.

وورد ذكر أدلة على تطور الشاورما في رواية عام 1433 لبرتراندون دي لا بروكير، وهو رحّالة فرنسي، وصف لقاءه بمجموعة من المسافرين الأتراك في الأناضول كانوا دعوه لمشاركتهم تناول خروف مشوي على سيخ.

وتقول إيشين: “بدلا من انتظار نضج الخروف بالكامل، كانوا يقومون بتقطع شرائح من الخارج، وهو أمر منطقي بالطبع، فلن تنتظر أربع ساعات حتى يصل الخروف إلى مرحلة النضج الكامل، أليس كذلك؟”

وتضيف: “تحوّل السيخ الأفقي إلى سيخ عمودي لاحقا مع افتتاح المطاعم، نظرا لأن السيخ في وضعه العمودي يشغل مساحة أقل”.

ودعت المفوضية الأوروبية الحكومتين التركية والألمانية إلى إجراء محادثات للتوصل إلى حل وسط بينهما، ولكن من المرجح أن يترتب على أي اتفاق تداعيات قد يشعر بها العالم، بعد أن أصبحت الشاورما واحدة من أكثر الصادرات التركية شعبية.

 

شخص يتناول شطيرة الشاورما

Getty Images
تحقق الشاورما مبيعات سنوية تصل إلى نحو 2.3 مليار يورو في ألمانيا

 

وتتحدث أولكو غاني، التي تدير جولات سياحية إرشادية للتعريف بالمطبخ التركي في سيدني لحساب شركة “غورميت سافاري”، عن شغفها بالطعام منذ طفولتها ومساعدة والديها في بيع اللحوم المشوية في أسواق فليمنغتون في سيدني.

وتقول: “كنت أشاهد أمي وأبي، بعد انتهاء يومي في المدرسة، يحضران المكونات في المنزل، ويمزجان التوابل مع خليط اللحم المفروم، ويضعان طبقات اللحم المفروم فوق طبقات رقيقة من شرائح اللحم. كان والدي يقول إن شرائح اللحم تجمع كل شيء، وكان يلفها بإحكام ويحملها إلى الثلاجة، وكان وزن هذا الشيء يصل إلى 50 كجم”.

كانت اللحوم المشوية التي تقدمها الأسرة مشابهة لوصفات برلين الكلاسيكية، مع خبز البيتا المحشو بالطماطم والخس والبصل بالإضافة إلى اللحم، مع تقديم أصناف مختارة من الصوص، بما في ذلك صوص الزبادي.

وتتذكر غاني: “كان اللحم المفروم يُخلط بالبصل والفلفل الأحمر، فضلا عن الفلفل الحلو والفلفل الأسود والملح وربما القليل من الكمون”.

وتضيف: “لا يُطغى على المطبخ التركي بإضافة التوابل والصلصات الكثيرة، بل يتعلق الأمر بإبراز المكون الرئيسي للطعام”.

وتقول غاني إن الشاورما ليس الطبق التركي الوحيد الذي يتمتع بمكانة في عالم الطهي في شتى أرجاء العالم، بل “نصنع لفائف تسمى سارما، وتعني (ملفوفة)، وهو طعام يصنعونه أيضا في أوكرانيا وبلغاريا”.

وتضيف: “لدينا أوراق العنب المحشوة التي نسميها دولما، وتعني (محشو)، والتي يطلق عليها اليونانيون دولمادس”.

وتختتم حديثها لافتة إلى أن “الطعام في النهاية شيء مشترك بيننا جميعا، فالجميع يرتبطون بالطعام”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى