عودة ترامب.. هل تغير الولاية الثانية المشهد السوري؟… أحمد رياض جاموس
ثلاث إدارات رئاسية أمريكية مرت على مأساة سوريا المتشكلة منذ 13 عامًا، لا شيء مفصلي فيها غيّر من واقع السوريين ووضع حدًا لانتهاكات النظام السوري وحلفائه تجاههم، حيث تبنت سياسة تجميد الصراع، وهي استراتيجية تُركّز على إدارة الأزمة بدلًا من حلها بشكل جذري، فاتسمت هذه السياسة بالابتعاد عن الانخراط المباشر في الملف السوري وتفادي استخدام القوة لإحداث تغيير سياسي شامل.
وبينما تتجه الأنظار إلى الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب، بشأن تعامله مع ملفات الشرق الأوسط تتقاسم الآراء والتوقعات حول الملف السوري، وما إذا كان الرئيس الجديد سيتعامل بنفس السياسة التي تعامل بها خلال ولايته السابقة (2016- 2020)، أم ستكون هنالك تحولات جديدة واحتمالات أكثر، لا سيما أن الحرب الإسرائيلية في لبنان ورغبتها في تقليص النفوذ الإيراني لها تبعات مباشرة على سوريا.
محطات ترامب السابقة
شهدت ولاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأولى سلسلة من الأحداث التي تركت بصمة واضحة على الساحة السورية، إذ تراوحت بين التدخلات العسكرية، وإعادة تشكيل التحالفات الإقليمية، وفرض العقوبات الاقتصادية.
بعد توليه سدة الحكم في ولايته الأولى 2017 بخمسة أشهر، أصدر أوامره بضرب مواقع عسكرية تتبع لقوات النظام السوري وتحديدًا قاعدة الشعيرات الجوية بريف حمص، وذلك ردًا على تنفيذ النظام هجومًا كيماويًا بريف محافظة إدلب، ولم يكتفِ ترامب بذلك، بل وصف الأسد بعد أسبوع واحد من الهجوم الكيماوي بـ”الحيوان” الذي يتلقى دعمًا من الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين وإيران.
وفي ديسمبر 2019 أصبح قانون “قيصر” نافذًا بعد أن وقع عليه ترامب، ضمن حزمة قوانين أدرجت – آنذاك – ضمن قانون موازنة الدفاع الوطني الأمريكية للسنة المالية 2020.
وقانون “قيصر” هو تشريع أمريكي بدأ تطبيقه في يونيو 2020، وبموجبه تم فرض عقوبات اقتصادية صارمة على النظام السوري وحلفائه، بما في ذلك الأفراد والكيانات المرتبطة به، واستمد القانون اسمه من مُصور سوري سابق يُعرف بالاسم المستعار “قيصر”، الذي سرّب آلاف الصور التي توثق التعذيب والانتهاكات في سجون النظام.
أما عسكريًا، قرر ترامب الانسحاب من سوريا مرتين قبل أن يعدل عن قراره بسبب الاعتراضات والانتقادات الواسعة التي واجهها، وخاص من قبل وزير الدفاع الأمريكي، جيمس ماتيس، الذي استقال من منصبه.
كما أعلن عن انتهاء تنظيم “داعش” في سوريا والعراق، وذلك بعد السيطرة على آخر معاقله في الباغوز بريف دير الزور مارس/آذار 2019، إضافة إلى قتل زعيمه أبو بكر البغدادي خلال عملية عسكرية أمريكية في أكتوبر/ تشرين الأول 2019 في إدلب شمال سوريا.
ومن أبرز الأحداث إطلاق يد تركيا والموافقة على شنّها عملية عسكرية جديدة ضد قوات “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) شرق سوريا، وأطلقت أنقرة على العملية اسم “نبع السلام” وتمكنت من خلالها السيطرة على مدينتي رأس العين وتل أبيض شمال سوريا، قبل الاتفاق بينهما على إيقاف العملية مقابل انسحاب “قسد” مسافة 30 كيلومترًا عن حدود تركيا.
كما كانت عملية اغتيال قائد فيلق القدس أحد أذرع الحرس الثوري الإيراني الإيراني قاسم سليماني مطلع العام 2020 من أبرز الأحداث في الملف السوري، كونه كان مهندس التدخل الإيراني في سوريا والمشرف على عمليات الميليشيات الإيرانية وحزب الله اللبناني ضد مناطق المعارضة.
سيناريوهات مفتوحة
لم يحظ الملف السوري باهتمام الإدارات الأمريكية السابقة، وفي ظل توقع استمرار هذا النهج بإدارة ترامب، إلا أن ما تشهد منطقة الشرق الأوسط منذ طوفان الأقصى وحرب إسرائيل على النفوذ الإيراني، قد يجعل سوريا في حسابات الرئيس الجديد.
كما أن شخصية ترامب المتناقضة وقراراته غير القابلة للتنبؤ قد تفسح المجال أمام احتمالات أكثر تطورًا للانخراط في الملف السوري المرتبط بالحالة الإيرانية وحرب “إسرائيل” على لبنان.
في حديثه لـ”نون بوست”، يقول الباحث السياسي درويش خليفة، إنه لا يمكن التنبؤ بتوجهات الرئيس الأمريكي المنتخب حديثًا دونالد ترامب، قبل معرفة فريق عمله ومن سيعينه للملف السوري، وما مدى أهمية سوريا بالنسبة لاستراتيجية الإدارة الأمريكية القادمة في 20 يناير/كانون الثاني لحظة دخول ترامب إلى البيت الأبيض.
واستبعد خليفة أن يكون لدى ترامب رؤية استراتيجية لحل الصراعات في الشرق الأوسط، لا سيما في سوريا (الصراع الأكثر تعقيدًا في المنطقة) في ظل تداخل دول وقوى خارجية مختلفة الرؤى والمصالح، إلا إذا توصل ترامب إلى تفاهم مع بوتين في أوكرانيا، فعند ذلك يصبح من السهل عليه الحديث عن مستقبل سوريا مع نظيره الروسي، ما يسهل الأمر بعض الشيء، في وقت تقوم “إسرائيل” باستئصال المليشيات الإيرانية وتلك والمدعومة من نظام طهران في المنطقة العربية، كحزب الله وغيره.
في العموم اشتركت الإدارات الأمريكية المتعاقبة بموقف احتواء النزاع السوري وعدم تمدده خارج الحدود وممارسة عقوبات شديدة طالت النظام السوري، إلا أن ولاية الرئيس السابق، جو بايدن، كانت الأكثر حيرة، فحسب تقرير مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية المعنون بـ”عبثية العقوبات الأمريكية على سوريا”، فإن سياسة بايدن تجاه سوريا حيرت المحللين، فهي لم تتبع سياسة متشددة في العقوبات، كما أنها فشلت في إيجاد توازن للضغط من أجل تغيير سلوك نظام الأسد.
واعتبرت المجلة أن إدارة بايدن غير راغبة في زيادة الضغط على النظام، أو اتخاذ إجراءات تصعيد جديدة ضده، ما يعني ترك الأزمة مستمرة، رغم آثارها ليس فقط على ملايين السوريين، إنما على مستقبل السياسة الأوروبية أيضًا.
ويتوقع الباحث في مركز الحوار السوري، أحمد القربي، عدة سيناريوهات مفتوحة بالنسبة للملف السوري خلال المرحلة القادمة من رئاسة ترامب، لكن ليست قبل أقل من سنة.
يتمثل السيناريو الأول في ممارسة سياسة الضغط القصوى على النظام يتم فيها تفعيل العقوبات خاصة مع عدم تدخل الدول المطبعة وتحديدًا السعودية والإمارات من جهة، ونشاط المؤسسات السورية الموجودة في أمريكا التي يمكن أن تلعب دورًا كبيرًا في المضي بهذه العقوبات من عدمه وخاصة القانون الذي يحد من جهود التطبيع مع الأسد.
أما السيناريو الثاني – حسب القربي – فهو عدم تشديد العقوبات الأمريكية بمعنى أن تبقى على ما هي عليه، خاصة تمديد قانون “قيصر”، لكن بشرط تدخل الدول العربية وإبداء نظام الأسد مؤشرات واقعية وفعلية للحدّ من نفوذ إيران داخل سوريا.
هل ينسحب ترامب من سوريا؟
يرجع تاريخ الوجود البري الأمريكي في سوريا إلى عام 2015، كجزء من دعم التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة لـ”وحدات حماية الشعب الكردية، المكون الرئيسي لـ”قسد”، ضد تنظيم “داعش”.
وتتوزع القوات الأمريكية في 25 قاعدة رئيسية، منها 3 نقاط مشتركة مع التحالف الدولي في أجزاء من مناطق سيطرة “قسد” شمال شرقي البلاد، وتغطي القوات المقدر عددها بـ900 جندي معظم حقول النفط، كحقل العمر الذي توجد فيه أهم وأكبر قواعدها ضمن منطقة جغرافية استراتيجية.
خلال فترة رئاسة ترامب الماضية أوعز بسحب جميع القوات الأمريكية من سوريا مرتين بعد أن انتقد حروب بلاده والتي وصفها آنذاك بأنها “لا تنتهي”، ليغيّر رأيه في نهاية المطاف، لكن هذا الخيار بقي على طاولة الكونغرس الأمريكي في عهد بايدن، حيث خاض الجمهوريون محاولتين لإقرار مشروع يقضي بالانسحاب من سوريا، قبل أن يصوت الكونغرس ضد مشروع القرار.
يرى مراقبون أن المؤشرات تلوح نحو تنفيذ ترامب عملية الانسحاب وخاصة بعد حديث روبرت كينيدي جونيور، مع شبكة “تاكر كارلسون” الأمريكية، خلال بث مباشر لتغطية نتائج الانتخابات الرئاسية، عن نية الأخير سحب القوات الأمريكية من شمال شرقي سوريا.
ومن المعروف أن روبرت هو أحد الحلفاء المقربين من الرئيس ترامب، وتقدم للانتخابات الأمريكية كمرشح مستقل، لكنه انسحب من السباق لصالحه.
حسب حديث الباحث خليفة، فإن الملفت في هذه الولاية لترامب أن نائبه لديه توجهات جامحة لإعادة قوات بلاده من العراق وسوريا، والدول التي لا ناقة لهم فيها ولا جمل، إلا أن ذلك غير واقعي في ظل تبادل القصف بين الحليفة الأهم في المنطقة “إسرائيل” والعدو التقليدي وهو النظام الإيراني، واحتدام المعارك بين الحين والآخر في غزة.
واعتبر خليفة أنها فرصة لتركيا لإقناع ترامب بمنحها دورًا محوريًا في الإقليم لإطفاء النيران المشتعلة من حولها في دول جيرانها، وهي رغبة تركية سابقة ربما تتجدد.
وأضاف أن التجارب السابقة تشير إلى أن الإدارات الأمريكية، لا سيما الجمهورية منها، تفضل التعامل مع السلطات المستبدة على حساب قوى التغيير والحرية، مع العلم أن هذه القوى تحمل القيم الغربية كالديمقراطية وحقوق الإنسان.
من جهته يتوقع الباحث القربي لـ”نون بوست”، أن المشهد شمال شرق سوريا سيكون منفتحًا على كل السيناريوهات لكن المؤشرات متضاربة، فسياسة ترامب تقوم على الانسحاب من سوريا، إلا أنه وبالمقابل لو نظرنا لزاوية إيران ونشاطها شمال شرق سوريا كطريق وممر لدعم حليفها في لبنان “حزب الله”، فهنا سنرجّح عدم الانسحاب وخاصة في ظل نية “إسرائيل” تنظيف حدودها من الوجود الإيراني وأذرعه.
ختامًا.. في الملف السوري سيبقى الحذر سيد الموقف من جميع الأطراف الضالعة في الملف الشائك والمعقد، إلى حين وصول ترامب رسميًا إلى البيت الأبيض في 20 يناير/كانون الثاني المقبل، وما إذا كان قد بدأ العد العكسي لتحريك المياه الراكدة في سوريا وترجمة وعود ترامب على الأرض فعليًا بإيقاف الحروب في المنطقة أم ستكون تلك الوعود على حساب السوريين.