“حتى الثلج لا يذوب بهذه السرعة”… كيف تخلّت إيران عن بشار الأسد؟
في وقتٍ واصل فيه المسؤولون في إيران صمتَهم لعدة ساعات بشأن سقوط النظام السوري المفاجئ والسريع، جاءت ردود فعل إيرانية واسعة من وسائل الإعلام والشخصيات في مختلف توجهاتها.
قال ممثل المرشد الإيراني في المجلس الأعلى للأمن القومي، المتشدد، سعيد جليلي إن “عملية طوفان الأقصى طويت الخطط القديمة والجديدة لقوى الاستكبار في المنطقة ولكن في اللحظات المفصلية، مجرد التوقف أو التردد أو التنعم للحظة واحدة يكفي ليعيد الاستكبار فرضَ معادلات جديدة على المستقبل”.
وكتب العضو في مجمع تشخيص مصلحة النظام الإيراني والقيادي السابق في الحرس الثوري، محسن رضائي، عبر حسابه على منصة X: “مصير سوريا يجب أن يقرره شعب هذا البلد. استغلال الجهات الأجنبية بما في ذلك أمريكا وإسرائيل، لن يؤدي إلى نتيجة سوى تكرار النمط الذي حدث في ليبيا وأفغانستان والعراق”.
وعلّق مستشار الرئيس الإيراني السابق حسام الدين آشنا، على سقوط النظام السوري، قائلاً: “الجميع كان على علم بما سيحصل في سوريا إلا بشار الأسد! يبدو أن الجميع كان على تنسيق بينما إيران الوحيدة التي كانت خارج اللعبة”.
علّق مستشار الرئيس الإيراني السابق حسام الدين آشنا، على سقوط النظام السوري، قائلاً: “الجميع كان على علم بما سيحصل في سوريا إلا بشار الأسد! يبدو أن الجميع كان على تنسيق بينما إيران الوحيدة التي كانت خارج اللعبة”
وصف الإصلاحي ورئيس مكتب الرئيس الإيراني الأسبق محمد علي أبطحي، سقوط نظام الأسد بـ”أكبر حدث مفصلي في الشرق الأوسط الجديد” مشيراً إلى أنه سيؤدي إلى قطع الارتباط بين محور المقاومة.
أما الناشط الإصلاحي الآخر، أحمد زيد آبادي، الذي كان مسجوناً في فترات مختلفة في إيران، فكتب في منشور له على “إنستغرام” أن نظام بشار فقد السيطرةَ على كل مناطقه من الشمال إلى الجنوب خلال بضعة أيام وسقط، “حتى الثلج لا يذوب بهذه السرعة”!
وكتب الرئيس السابق للجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني، حشمت الله فلاحت بيشه عبر حسابه على منصة X: “على الإيرانيين أن يفرحوا، من الآن لن يحق لأحد صرف أموال الشعب لحفظ بيت العنكبوت”، في إشارة إلى نظام الأسد، وإلى الانتقادات المتواصلة الشعبية في إيران بخصوص تدخل إيران في سوريا، ودعم النظام الإيراني لنظام بشار الأسد.
وكتب الباحث الإيراني محسن فايضي: “بشار الأسد سقط لأنه لم يكن يحمل إيديولوجيا مثل يحيى السنوار، الآن يجب إلقاء التحية على العهد الجديد واختيار أفضل سيناريو من بين السيناريوهات السيئة المتوفرة (أمام إيران)”.
وقامت وسائل إعلام تابعة للحكومة والحرس الثوري بإلقاء اللوم على بشار الأسد، حيث كتبت وكالة “فارس” التابعة للحرس الثوري أن هناك أربعة أسباب أدت إلى سقوط النظام السوري وهي: “ضعف الجيش السوري وتفشي الفساد على مستوى قادته، وفقدان الدعم الشعبي للحكومة والجيش السوريَين، وثقة النظام السوري بالوعود الخارجية منها إغراءات بعض الدول الإقليمية للنظام السوري مقابل فصل طريقه عن محور المقاومة، والتدخلات الأجنبية وتجهيز المعارضة السورية”.
أشارت وكالة “تسنيم” التابعة إلى الحرس الثوري، إلى أسباب عدة وراء سقوط نظام بشار الأسد منها “العقوبات والضغط الاقتصادي الشديد على سوريا”.
وبعد نحو 10 ساعات من إعلان خبر سقوط النظام السوري، وهروب بشار الأسد، أصدرت الخارجية الإيرانية بياناً محايداً من التطورات في سوريا، قالت فيه إن “الجمهورية الإسلامية الإيرانية لن تدخر اي جهود لدعم الاستقرار والهدوء في سوريا، ومن هذا المنطلق ستواصل مشاوراتها مع جميع الأطراف المؤثرة وخاصة الأطراف الإقليميين”.
ونوّهت “بمواقف إيران الثابتة لاحترام وحدة وسلامة الأراضي والسيادة الوطنية السورية، وأكدت بأن الشعب السوري هو من سيقرر لمستبقل بلاده، بعيداً عن التدخلات المخرّبة او الإملاءات الأجنبية”.
وأضافت الوزارة الخارجية الإيرانية أن تحقيق هذا الهدف يستدعي الإنهاء الفوري للمواجهات العسكرية، والحؤول دون التحركات الارهابية، والبدء في حوار وطني يشمل جميع الأطراف المكوّنة للمجتمع السوري، وبالتالي تشكيل حكومة شاملة تمثل الشعب السوري برمته.
وفي الختام أكدت الخارجية الإيرانية بأن إيران ترصد بدقة التطورات في سوريا والمنطقة، مع الأخذ بعين الاقتدار تحركات وإجراءات اللاعبين المؤثرين على الساحة السياسية والأمنية لهذا البلد، وأنها ستتخذ الإجراءات والمواقف المناسبة.
وإلى جانب ردود الفعل هذه، أثار تغيير لهجة الإعلام الرسمي الإيراني في تعامله مع المعارضين للأسد جدلاً وتساؤلات، حيث استخدمت وسائل الإعلام الرسمية الإيرانية خلال الأيام الماضية تسميات مثل “المجموعات المسلحة و”المعارضة السورية”، وبعد تأكيد سقوط النظام بدأت في استخدام تسميات “الميليشيات” بدلاً من “الإرهابيين” أو “التكفيريين” كما كانت تصفها سابقاً.
هل تخلت إيران عن بشار الأسد؟
منذ إطلاق عملية “ردع العدوان” أو تحركات المعارضة المسلحة السورية لإسقاط النظام السوري برئاسة بشار الأسد في أواخر تشرين ثاني/نوفمبر الماضي، لم تظهر إيران أيّ مساعٍ واضحة للحفاظ على نظام بشار الأسد، أحد أهم حلفائها في المنطقة على مدار السنوات السابقة، مما أثار تساؤلات كثيرة.
واعتبر الموقف الرسمي الإيراني في بداية الأمر، تطورات سوريا، بأنها مؤامرة إسرائيلية أمريكية، كما ألقى الموقف الرسمي الإيراني اللوم على تركيا بأنها هي من دعمت المعارضة المسلحة السورية. وزار وزير خارجية إيران، عباس عراقجي، تركيا لإجراء محادثات حول التطورات السورية، ثم توجه إلى بغداد لإجراء محادثات مماثلة، ومن ثم إلى الدوحة لعقد اجتماعات مع وزيري خارجية تركيا وروسيا ودول أخرى على هامش منتدى الدوحة.
ومن بغداد أطلق وزير الخارجية الإيراني تصريحات لم تكن متفائلة بإمكانية بقاء نظام بشار الأسد، حيث عندما سُئل عن مدى توقعاته بشأن بقاء النظام السوري، قال إنه “لا يمكن التنبؤ بمصير بشار الأسد والنظام السوري”، کما شدد في تصريحات من الدوحة على أهمية إجراء حوار سياسي بين حكومة الرئيس السوري بشار الأسد والمعارضة المشروعة، في استخدام غير مسبوق لمسؤول إيراني لهذه التسمية.
من جانب آخر، تغيير اللهجة الإعلامية الرسمية في إيران بدأ بالظهور منذ يومين، بعد أن أطلق التلفزيون الرسمي تعبير “المعارضة المسلحة”، بدلاً من “الإرهابيين” أو “التكفيريين”، كما كان يُطلق من قبل أو يُتوقَّع من الإعلام الرسمي الإيراني. وخلال الساعات الماضية، بدأت وكالات الأنباء الرسمية وشبه الرسمية أيضاً باستخدام تعبير “المعارضة المسلحة”، كما أن حضور مراقبين وخبراء في التلفزيون الإيراني أشار إلى مرحلة المتغيرات الجديدة.
وقامت إيران بإجلاء قادة وأفراد عسكريين من سوريا، يوم الجمعة الماضي، 6 كانون الأول/ديسمبر الجاري، حسبما ذكر مسؤولون إقليميون و3 مسؤولين إيرانيين لصحيفة “نيويورك تايمز”، ما اعتُبر مؤشراً على “عدم قدرة” أو “عدم رغبة” إيران على دعم بقاء الرئيس السوري السابق بشار الأسد في السلطة.
وقالت وكالة “فارس” التابعة للحرس الثوري في مقالٍ لها إن بشار الأسد هو من رفض دعم إيران له. وكتبت اليوم: “بشار الأسد لم يعِر الاهتمام الكافي لتوصيات الجمهورية الإسلامية الإيرانية في ما يتعلق بالديمقراطية والاهتمام بالشعب السوري، ولم يطلب المساعدة من إيران حتى قبل بضعة أيام”.
ماذا سيحدث؟
وبشأن مستقبل العلاقات الإيرانية السورية، وبعبارة أخرى مرحلة ما بعد الأسد لإيران، كتبت وكالة إرنا الرسمية: “ماينبغي علينا هو التعامل بحذر وتحسب مع الأمر الواقع بعقل سياسي وببصيرة تدرك تعقيدات المشهد وما آلت اليه الأحداث التي قد تأخذ أياماً وأسابيع قليلة لتتبدد الفوضى وتنقشع الرؤية ويبدأ الجد، وإلى حين حدوث ذلك نأمل خيراً لسوريا وأهلها وكل شعوب المنطقة”.
كتب الناشط الإصلاحي، أحمد زيد آبادي، أن نظام بشار فقد السيطرةَ على كل مناطقه من الشمال إلى الجنوب خلال بضعة أيام وسقط، “حتى الثلج لا يذوب بهذه السرعة”!
وفي تحليل لها حول مصير “محور المقاومة” بعد سقوط النظام السوري، كتبت وكالة “فارس” التابعة للحرس الثوري بأن “إيران لديها خيارات أخرى لتعزيز محور المقاومة ويمكنها تجهيز وتعزيز قدرات الحوثيين في اليمن لإعادة توازن القوى إلى محور المقاومة، كما يمكنها اتخاذ خطوات لتعزيز قدراتها العسكرية الداخلية لتغيير قواعد القوة وإعادة التوازن في المنطقة”.
وتساءل النائب السابق في البرلمان الإيراني بَهرام بارسايي، عن مصير ديون الحكومة السورية لإيران، قائلاً: “إجمالي مديونية سوريا إلى إيران 30 مليار دولاراً”.
وكتب مستشار الرئيس الإيراني الأسبق، عبد الرضا داوري: “عائلة الأسد، كانت العائلة العلوية الوحيدة الحاكمة في المنطقة وكانت طوال السنوات الماضية الحليف الأكبر لإيران الشيعية، وسقوط عائلة الأسد خسارة كبيرة لإيران وجميع الشيعة في العالم”.
أما الخبير السياسي الإيراني، علي بيغدلي، فاعتبر الأحداث في سوريا بأنها كان مخططاً لها مسبقاً وكانت تركيا وأمريكا وإسرائيل والسعودية مستعدة لها على قدمٍ وساق، ولعبت تلك الدول مع روسيا على قطع طريق اتصالات إيران مع سوريا ولبنان وحزب الله.
وكتبت صحيفة “جهان صنعت” الإيرانية إن سقوط بشار الأسد يعني أن إيران ستخسر جميع مكاسبها في سوريا.
هذا كله من جهة الإعلام الرسمي والشخصيات البارزة من السلطة والإصلاحيين في إيران، أما حسابات معظم الإيرانيين الناشطين على منصات التواصل الاجتماعي من فنانين وسياسيين ومتابعين للحدث السياسي والاجتماعي والثقافي فقد امتلأت بصور لسقوط بشار الأسد، وتبعتها كثير من التعليقات التي ترجو الحرية للشعب الإيراني وتنوه أن نهاية الديكتاتورية والديكتاتوريين لا شيء سوى مثل هذه النهاية.
رصيف 22