السويداء : معركة الهوية في وجه الفتنة والانفصال .. مرهف مينو

ما يجري في السويداء ليس مجرد حراك عابر ولا أزمة محلية، بل صراع عميق على معنى الوطن والانتماء.

خلف الشعارات والبيانات، هناك محاولة مكشوفة لتمزيق النسيج الوطني السوري، واستغلال حالة الاحتقان لصياغة واقع جديد، عنوانه الفتنة والانفصال، وأداته تيار المجرم الهجري وميليشياته التي تجاوزت كل الخطوط الحمراء.

في مشهد بالغ الخطورة، نشهد اليوم استهدافاً مباشراً لعناصر الأمن، أولئك الذين وجدوا أنفسهم وسط كمين دموي، قتلوا فيه بدم بارد لمجرد أنهم يمثلون مؤسسة الدولة.

هذه ليست “عملية” ضد جهة مسلحة، ولا اشتباكاً بين فصائل متناحرة، بل جريمة مكتملة الأركان، تدفع نحو الفوضى وتشرعن شريعة الغاب.

والمؤسف أن هذه الأفعال تجد من يبررها تحت عناوين براقة، بينما حقيقتها واحدة: كسر الدولة وتفكيك ما تبقى من بنيانها.

لكن الأخطر من القتل هو ما يرافقه من خطاب انفصالي يضرب في العمق الوطني. تيارات تغذيها أجندات خارجية، وبعضها لا يخفي تواصله مع جهات مثل إسرائيل، تحاول تصوير نفسها كـ”حامٍ للأقليات”، بينما هي في الحقيقة تعمل وفق استراتيجيات قديمة جديدة، تسعى لإضعاف سوريا عبر شرذمتها إلى كيانات طائفية متناحرة. 

هذا الانزلاق ليس مجرد خيار سياسي خاطئ، بل خيانة لمبدأ المواطنة الذي حافظ على وحدة سوريا رغم المحن.

مافعله الهجري خيانة لدماء الشهداء، ولتضحيات السوريين الذين حلموا بدولة لكل مواطنيها، لا بمزرعة طائفية ترعاها القوى الخارجية.

ما يقوم به ما يُسمى بـ”تيار الهجري” محاولة واضحة لخلق شرخ بين أبناء السويداء وبقية السوريين، وفرض حالة من العزلة والانفصال، بزعم حماية الطائفة. ولكن الحقيقة أن من يريد حماية مجتمعه لا يعادي جيرانه ويذبحهم ، ولا يغتال أبناء مؤسساتهم، ولا يستدعي التدخلات الأجنبية.

الفتنة حين تبدأ لا تعود تميز بين أحد. والسويداء، بتاريخها ومكانتها، أكبر من أن تُختزل في ميليشيا، أو يُرهن مصيرها لخيارات فردية لا تمت إلى العقل ولا إلى المصلحة الوطنية بصلة.

لهذا، فإن ما نحتاجه اليوم هو صوت العقل. أن ترتفع الأصوات من داخل السويداء وخارجها لرفض منطق الفتنة ودعوات الانفصال عن الدولة.

أن يعاد الاعتبار للقانون، وللدولة، وللأمل بسوريا واحدة، موحدة، حرة. فالوطن لا يُبنى بالتحريض، ولا بالدم، بل بالعدالة والكرامة والانتماء المشترك.

المعركة الحقيقية اليوم ليست بين فصيل وآخر، بل بين مشروع وطني يسعى إلى لملمة الجراح، ومشروع طائفي انفصالي يسير بالبلاد نحو الهاوية.

الى الهجري … فلنختر ما تبقى من أمل، قبل أن نخسر ما تبقى من وطن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى