تحديات تواجه المصارف الخاصة في سوريا رغم تعليق العقوبات

دمشق، 20 يوليو 2025 – على الرغم من تعليق العقوبات المفروضة على مصرف سوريا المركزي، تواجه الشبكة المصرفية الخاصة في البلاد تحديات معقدة، أبرزها شح السيولة النقدية وأزمة الثقة المتفاقمة بين المودعين والمصارف. هذه الأزمة تتطلب إعادة هيكلة شاملة للخدمات المصرفية، فيما يستبعد الخبراء إغلاق المصارف، لكنهم يتوقعون ظهور منافسين جدد في السوق المالية.
يرى الخبير الاقتصادي أدهم قضيماتي أن عامل الزمن حاسم لنهوض الشبكة المصرفية السورية، مشيراً إلى حاجة المنظومة المالية لوقت كافٍ للاندماج في المنظومة المالية العالمية. وأوضح قضيماتي لموقع “تلفزيون سوريا” أن المصارف تعاني من غياب البيئة القانونية الحقيقية المحفزة للاستثمار، بالإضافة إلى بنية تحتية تقنية غير متصلة بالأنظمة الدولية منذ فترة طويلة، مما يزيد من حدة التحديات.
كما تواجه المصارف غياب الثقة الدولية بسبب ضعف الشفافية السابق وارتباط بعضها ببيئة سياسية وأمنية غير مستقرة، مما يستدعي وقتاً طويلاً لإعادة بناء هذه الثقة، خاصة مع تعقيدات آليات تيسير المعاملات الدولية. ويلفت قضيماتي إلى أن أزمة الثقة بالمصارف من قبل المودعين والمستثمرين دفعت الكثيرين للجوء إلى الاقتصاد الموازي خارج القطاع الرسمي.
شح السيولة: التحدي الأبرز
يؤكد المحلل الاقتصادي محمد صالح الفتيح أن النقص في السيولة النقدية هو التحدي الرئيسي الذي يواجه المصارف الخاصة في سوريا. وأوضح الفتيح لموقع “تلفزيون سوريا” أن المصارف الخاصة التزمت خلال الحرب بالسياسة المالية لمصرف سوريا المركزي والنظام السابق، والتي ركزت على احتواء تأثيرات الحرب والعقوبات عبر الضغط على القطاع الخاص.
وأضاف أن المصارف الخاصة اضطرت للامتثال لتوجيهات المصرف المركزي بتخفيض الحد الأدنى الإلزامي للودائع إلى 5% فقط، مقارنة بـ 15% في الأعراف الدولية، بهدف تشجيع الإقراض للقطاع الخاص لتعويض غياب الاستثمارات الخارجية. ويشير الفتيح إلى أن نسبة كبيرة من هذه القروض لم يتم سدادها، وبعضها كان لشخصيات محسوبة على النظام السابق.
ومع سقوط النظام وتحسن قيمة الليرة السورية، زاد توجه المودعين لسحب أموالهم، مما وضع المصارف في موقف صعب لتلبية عمليات السحب، خاصة مع غياب الحافز للإيداع في ظل اعتماد السوق السورية على الأوراق النقدية وعدم توفر خدمات البطاقات. ويؤكد الفتيح أن حل مشكلة السيولة يتطلب تدخل المصرف المركزي عبر طباعة أوراق نقدية جديدة أو فئات أعلى، أو مساعدة المصارف المعرضة للإفلاس.
تتجلى مشكلة الشبكة المصرفية أيضاً في صعوبة سحب العملاء للكميات المطلوبة من النقد السوري، سواء من الفروع أو أجهزة الصراف الآلي. ويرى الفتيح أن هذه المشكلة لا تتعلق بالمصارف مباشرة، بل بفئات النقد السوري. فمثلاً، تحتاج الأسرة السورية ما بين مليون إلى 3 ملايين ليرة أسبوعياً، وهو ما يعادل 200 إلى 600 ورقة نقدية من فئة الخمسة آلاف ليرة (أكبر فئة متوفرة حالياً).
ويوضح أن جهاز الصراف الواحد يستوعب حوالي 10 آلاف ورقة نقدية كحد أقصى، وهي كمية تكفي لـ 15 إلى 50 عملية سحب فقط، مما يؤدي إلى نضوب الأوراق النقدية بسرعة. ولمواجهة هذا العبء، تفرض معظم المصارف الخاصة قيوداً على عمليات السحب (100 أو 200 ألف ليرة أسبوعياً) لضمان استمرارية توفر النقد.
شخصيات معاقبة دولياً تعرقل رفع القيود
لا تقتصر التحديات على السيولة، بل تمتد إلى العوائق التي أوجدها رجال أعمال معاقبون غربياً يمتلكون حصصاً داخل هذه المصارف. ويوضح الباحث ومدير منصة “اقتصادي” يونس الكريم أن عدداً من رجال الأعمال المدرجين على لوائح العقوبات يستحوذون على حصص هامة، وكانوا يتحكمون بالبنوك ويجرون عمليات غسيل أموال عبر القروض التي تمول تجارة المخدرات وأعمال العنف.
ومن أبرز هذه الشخصيات رامي مخلوف ونادر القلعي وخالد زبيدي وطريف الأخرس ومحمد حمشو، الذين لا يزالون يمتلكون حصصاً كبيرة في مصارف ضمن مجموعتي “شام القابضة” و”سوريا القابضة”. ويؤكد الكريم أن جزءاً من المصارف الخاصة يعاني من عدم رفع القيود بسبب وجود حصص لهؤلاء الأشخاص، مشيراً إلى أنه لن يتم رفع العقوبات عن هذه المصارف قبل مراجعات دقيقة لمجالس إداراتها.
من جانبه، لا يتفق محمد صالح الفتيح مع هذه الفرضية، مؤكداً أن هذه المشكلة لا تشكل تحدياً على المدى المتوسط والطويل، خاصة مع المراجعات المستمرة للوائح العقوبات. ويرى أن وجود شخصية معاقبة لم يؤدِ حتى الآن إلى عقوبات دولية مباشرة بحق أي مصرف خاص سوري، وأن تأثير ذلك يقتصر على التواصل بين المصارف السورية والأجنبية، وليس على مشكلة السيولة الرئيسية.
هل تغلق المصارف أبوابها؟
يتفق الخبراء على استبعاد إغلاق المصارف الخاصة في البلاد. ويرى أدهم قضيماتي أن البنوك عملت في بيئة غير مهنية وقانونية، ومع ذلك تكيفت. ويشير إلى أن الحكومة الجديدة ستسعى لتجنب أي إقفال رسمي بتقديم التسهيلات، وقد تلجأ البنوك إلى إعادة الهيكلة أو الدمج بدلاً من الإفلاس أو الإغلاق.
ويتوقع المحلل الاقتصادي محمد صالح الفتيح ظهور منافسين جدد في القطاع المالي السوري، سواء من الفاعلين المحليين أو دخول مصارف جديدة إلى السوق السورية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى