
الأطباء السوريين بين خيار البقاء في ألمانيا أو العودة إلى بلد يعاني نقصاً حاداً في الكوادر
يواجه الأطباء السوريون المقيمون في ألمانيا معضلة متزايدة بين الاستقرار المهني في أوروبا والعودة إلى سوريا التي تعاني من نقص حاد في الكوادر الطبية، خصوصاً في اختصاصات التخدير والجراحة والعناية المركزة.
تشير بيانات الاتحاد العالمي لجمعيات أطباء التخدير (WFSA) إلى أن سوريا تمتلك أقل من 1.1 طبيب تخدير لكل مئة ألف نسمة، وهي من أدنى النسب على مستوى العالم، مقارنةً بنحو 15 في لبنان و10 في الأردن وأكثر من 35 في ألمانيا. هذا العجز الكبير يدفع العديد من المستشفيات السورية إلى تأجيل العمليات غير الطارئة أو الاعتماد على أطباء من تخصصات أخرى لتغطية النقص.
في المقابل، يعمل آلاف الأطباء السوريين في ألمانيا ضمن نظام صحي متطور وفرص مهنية مستقرة، إلا أن ارتفاع الضرائب وتكاليف المعيشة يدفع بعضهم إلى التفكير بالعودة، خصوصاً مع تحسّن نسبي في بيئة العمل داخل بعض المدن السورية خلال السنوات الأخيرة.
ورغم ذلك، تبقى العقبة التعليمية أبرز ما يمنع كثيراً من الأسر السورية من اتخاذ قرار العودة، إذ أن أبناء الأطباء وغيرهم ممن نشؤوا في ألمانيا يجدون صعوبة في التأقلم مع المناهج العربية بعد أعوام من الدراسة بالألمانية. ويخشى الأهل أن يؤدي ذلك إلى تأخر دراسي طويل أو فقدان للهوية التعليمية المزدوجة التي اكتسبها الأطفال في المهجر.
ويرى خبراء تربويون أن هذه الإشكالية تتطلب حلولاً واقعية، مثل إنشاء صفوف تعليمية مزدوجة اللغة في المدارس الألمانية، تتيح للطلاب السوريين تعلم العربية إلى جانب الألمانية بشكل متوازن، ما يحافظ على ارتباطهم الثقافي ويسهّل عودتهم مستقبلاً لمن يرغب بذلك.
وتقدّر الدراسات أن نحو 17 ألف سوري يعملون حالياً في القطاع الصحي في ألمانيا، بينهم نسبة مرتفعة من الأطباء والممرضين، ما يجعلهم من أكبر الجاليات العربية العاملة في المجال الطبي داخل أوروبا.
وبين اعتبارات الاستقرار العائلي ومتطلبات المهنة، تبقى مسألة العودة أو البقاء قراراً معقداً يختصر واقع آلاف الكفاءات السورية المنتشرة في أوروبا، الممزقة بين الحنين إلى الوطن ومقتضيات الحياة الجديدة.



