بعد كشف الوكالات المزورة.. حيل جديدة لاستخراج جوازات السفر السورية

 

 

 

 

 

يتعامل اللاجئون السوريون في تركيا والعراق وأربيل والأردن ممّن سافروا دون الحصول على جواز سفرهم السوري، ودون أوراق رسمية، مع السماسرة ويدفعون مبالغ كبيرة للحصول على جوازهم دون الاضطرار إلى الحضور بصفة شخصية في مناطق سيطرة النظام ودون العودة إلى سوريا حتى لا يتعرضوا للملاحقة من قبل النظام أو لزجّهم في صفوف جيشه لأداء “الخدمة الإلزامية”.

ولا يتردد هؤلاء الأشخاص في دفع ما قيمته 1.7 إلى 6 آلاف دولار للحصول على جوازهم ليتمكنوا من السفر إلى دولة أخرى أو استكمال معاملاتهم بوجود وثيقة شخصية في الدولة نفسها.

 

“شيوخ كار الجوازات” يستغلون طلاب الجامعات

 

يظهر عمل المكاتب غير المرخصة كشكل من أشكال “المافيات” التي تكون على تواصل مباشر مع مكاتب يتبعون لها في الدول المجاورة؛ ومهمة هذه المكاتب استخراج جوازات السفر أو الأوراق الرسمية أو حتى تبديل العملة وشراء العملات الأجنبية في مناطق سيطرة النظام.

والجدير بالذكر أن هذه المافيات مدعومة من شخصيات بارزة (ضباط في وزارة الداخلية) في مناطق سيطرة النظام، يسهلون عملهم المخالف للقانون –في معظمه- مقابل نسبة جيدة عن كل معاملة يتم استخراجها من الدوائر الحكومية لا تقل عن مئة دولار للمعاملة الواحدة وقد تصل إلى 500 دولار، كما يتبع لهم محامون من ذوي الحنكة والخبرة بكيفية الالتفاف على القانون نأياً للخطر والملاحقة القانونية.

أما مسيّري المعاملات في الدوائر الحكومية فهم في معظمهم من معقبي المعاملات الذين لا يعلمون ما الذي يجري “من تحت الطاولة” إذ تقتصر مهمتهم على النزول إلى فرع الهجرة والجوازات أو دائرة النفوس (السجل المدني) أو النيابة العامة والتوجه إلى أشخاص معينين في هذه الدوائر من الموظفين الفاسدين الذين يتعاونون مع أصحاب المكاتب ويأخذون حصّتهم عن كل مساعدة يقدمونها في نهاية اليوم أو بعد إتمام مهمّتهم.

 

ويستهدف شيوخ الكار والسماسرة، الطلاب الجامعيين ممّن يعانون ظروفاً معيشية صعبة ويحملون على عاتقهم تكاليف الدراسة ويتم استدراجهم لتسيير المعاملات مقابل مبلغ مادي جيد بالنسبة إليهم وإن كان لا يتجاوز في أحسن الأحوال الـ 15 دولاراً عن تسيير المعاملة الواحدة.

في لقاء لموقع تلفزيون سوريا مع (سميرة.ن)، وهي طالبة جامعية تسكن في المدينة الجامعية في المزة، تقول: “عرض عليّ أحد زملائي في الكلية العمل معهم في ما سمّاه تعقيب المعاملات واستخراج جوازات السفر، مقابل مبلغ مالي 200 ألف ليرة سورية فقط، وقد أوضح لي أن العمل سهل جداً ولا يستغرق أكثر من يومين ولا يتطلب أي شروط”.

ونظراً لكونها تعيل نفسها بالعمل في مكتبة الجامعة إذ إنّ وضع أهلها المعيشي سيئ جداً، فقد وافقت على العمل واستسهلت الحصول على مبلغ جيد دون إدراكها خطورة ما تفعله، تقول: “طلب مني صديقي  إرسال صورة بطاقتي الشخصية له عبر واتساب، وأن أكون مستعدة للعمل صباح اليوم التالي في تمام الساعة التاسعة”.

وكان تسيير المعاملات الشخصية يتم عبر وكالة قانونية “نظامية”؛ أي إنها غير مخالفة قانونياً لكنها مزورة من ناحية صِلة القربى وبعض التفاصيل الأخرى؛ وهي حيلة قانونية يتبعها أصحاب المكاتب بالتعاون مع بعض المحامين.

تقول سميرة: “في صباح اليوم التالي التقيت بشخص يُلقّب بـ (أبو أحمد) في البرامكة بالقرب من وكالة سانا للأنباء، وأعطاني ملفاً يحتوي على الوكالة الخاصة بي وصورة البطاقة الشخصية للرجل الذي سأستخرج له جواز السفر المُستعجل، وصوره الشخصية وأوراق أخرى، وقد طلب مني أن أحفظ اسم الشخص والمعلومات المكتوبة على صورة بطاقته الشخصية وأن أدعي بأنّه ابن خالة أمي!”.

 

وتوضّح سميرة أنّ تسيير المعاملة لم يستغرق بضع ساعات وقبل انتهاء الدوام الرسمي؛ إذ كانت على تواصل مع أبو أحمد الذي وجّهها إلى موظفين محددين داخل فرع الهجرة والجوازات في دمشق، وما إن ذكرت لهم أنّها من طرفه حتى سيروا لها المعاملة بالكامل، ثمّ بَصَمت على استلام الجواز بعد إتمام المعاملة للرجل الذي كان فارّاً من جيش النظام ويقيم في تركيا، بمقابل 4 آلاف دولار دُفعت للمكتب تتضمن رسوم الجواز الخارجي المستعجل التي يفرضها النظام.
وقد تحول هذا العمل عند سميرة ومجموعة من الطلاب الآخرين في كليات مختلفة من جامعة دمشق، إلى مصدر دخل إضافي لهم شهرياً؛ إذ كان بإمكان الواحد منهم إنجاز معاملتين أو أكثر كل شهر، قبل أن تنكشف خدعة الوكالات وصِلات القربى المزورة، وقد تمّ إيقاف عدد من المتورطين بزّج أسمائهم في هذه الوكالات من طلاب الجامعات لكونهم “كبش الفداء” في قضايا كهذه، دون أن تتمّ ملاحقة السماسرة مثل أبو أحمد، أو الضباط المتورطين في تسيير معاملات مزورة في فرع الهجرة والجوازات.

 

بعد تزوير الوكالات: تزوير دفتر العائلة

 

لا يقتصر الفساد في الدوائر الحكومية على تسيير المعاملات “من تحت الطاولة” وبدفع رشى قد تصل قيمتها إلى ملايين الليرات السورية حسب نوع المعاملة ودرجة خطورة التلاعب فيها، بل وصل الأمر في دائرة “السجل المدني” في دمشق إلى تزوير دفتر العائلة بغية تسيير معاملات جواز السفر الخارجي، وهو ما ترويه لنا (سناء.ج) عن استغلالها لتسيير معاملة لم تدرك أنّها تورطت بها إلا بعد مشورة أحد المحامين من أقاربها.

وتقول: “طلب مني الملقّب (أبو أحمد) صورة بطاقتي الشخصية –الهوية- واسم الجدّ لاستخراج بيان عائلي لي ولوالدي من أجل تسيير معاملة جواز سفر لامرأة في العراق، وفعلاً أرسلت إليه ما طلبه وأخبرني بضرورة التواجد في اليوم التالي صباحاً ليشرح لي التفاصيل، وقد التقيت به في شارع الثورة صباح اليوم التالي”.

وقد قام أبو أحمد وهو من شيوخ الكار، باستغلال اسم عمّها الأصغر لتزوير دفتر عائلة جديد باسمه (باسم عمّها) من خلال المتعاونين مع أبو أحمد من الموظفين في دائرة النفوس في مدينة دمشق، وبعد تزوير دفتر العائلة بإضافة اسم المرأة صاحبة جواز السفر والمقيمة في العراق، على أنّها زوجة عمّ سناء، استطاعت سناء تسيير المعاملة في فرع الهجرة والجوازات في منطقة الزبلطاني من خلال بعض أفراد الشرطة معظمهم برتبة “مساعد” وتمّ دفع رسوم جواز السفر المستعجل وإتمام المعاملة بالكامل.

وبسؤال أحد المحامين المنتسبين إلى نقابة المحامين في دمشق (فضل عدم ذكر اسمه) أخبرنا بأنّ عقوبة تزوير الوثائق الشخصية ضمن قانون العقوبات وفق المادة 448 بأنه “يعاقب جميع الأشخاص الذين يرتكبون جرم التزوير بالأوراق الرسمية بالأشغال الشاقة المؤقتة، ونصت المادة 151 بأنه يعاقب بالعقوبة نفسها كل من أبرز وهو عالم بالأمر وثيقة مقلدة أو كاذبة أو محرفة أو منظمة على وجه يخالف الحقيقة ومعدة لأن تكون أساسا إما لحساب الضرائب أو الرسوم أو غير ذلك من العوائد المتوجبة للدولة”. كما لفتت المادة 152 إلى أنه “يعاقب بالحبس من شهر إلى سنتين من أبرز هوية كاذبة بهدف الحصول على جواز سفر أو بطاقة تسهيل مرور”.

وحول إمكانية تزوير هذه الوثائق فقد أوضح لنا أنّ جرائم أكبر من هذه وقضايا فساد أكثر خطورة تجري يومياً في المؤسسات التابعة للنظام، وليس غريباً أن يتمّ أمر كهذا عند دفع مبلغ مالي جيد يقدّر بمئات الدولارات لموظف حكومي يخشى على عائلته من الجوع ولا يتجاوز مرتّبه الشهري 15 دولاراً، يقول: “في حادثة منفصلة لفتاة لم تصل إلى الثامنة عشرة من عمرها بعد، وأراد والدها تزويجها للخارج، إذ يقيم العريس في تركيا، تمّ تزوير بطاقة شخصية (هوية) باسمها وتغيير تاريخ ميلادها لتصبح فوق الثامنة عشرة، وقد تمّ ذلك دون أي عناء أو مجهود يذكر من والد الفتاة؛ فالعريس تكفّل بدفع المبلغ المقدر بـ 3 آلاف دولار لمكتب التزوير الذي تكفل بالإجراءات”.

؟
؟
؟
؟
؟
؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى