داريا..من هنا مرت الثورة… منذر فؤاد
أيقونة الثورة السورية أربع سنوات تتحوّل، في لحظة من تقلبات الزمن، إلی مدينة أطلال يبكيها الأهالي، قبل أن يغادورها قسراً، بعد أن خذلهم القاصي والداني، هكذا يصف ناشطو الثورة السورية ما حدث.
اضطر ثوّار المدينة إلى اتفاق الخروج من داريا، تحت تهديد النظام بتدمير المدينة علی من تبقی من ساكنيها، وكانت التهديدات انعكاساً لحملة إبادة بدأت بقصف المدينة المنهكة بشكل غير مسبوق باستخدام
قنابل النابالم الحارقة والبراميل المتفجرة، وأخواتها من الأسلحة المحرّمة دولياً، المحلّلة سورياً.
انضمّت المدينة عقب الإتفاق إلی قائمة المناطق التي دخلها جيش الأسد، بعد إخضاعها لسياسة الحصار ثم الإستسلام، من دون قتال، وهي سياسة نجحت قبل ذلك في حمص القديمة، وحي الوعر لاحقاً، والزبداني أخيراً، للسبب نفسه الذي جعلها تنجح في داريا، وهو الحصار المشدّد من النظام المصحوب بتخاذل قيادات عسكرية تتبع الجيش السوري الحر.
لكن ما يميّز داريا هذه المرة، هو الصمود الذي استمر أربع سنوت من الحصار المطبق، من دون تمكّن النظام من دخولها عسكرياً في كل محاولات الإقتحام التي حدثت، ما جعل أتباعه في الفرقة الرابعة يهدّدون، هذه المرة، بتدمير المدينة كلياً باستخدام معادلة تسليح غير متكافئة، ستنجح في ظل الوضع المزري للسكان، والتواطؤ الدولي الذي لم يعد يهتم لأمر المجازر المتوالية في سورية.
أيضاً، كان لافتاً التوقيت الذي أعلن فيه عن الإتفاق وهو الـ 25 من أغسطس، والذي اختاره النظام السوري الفاشي بعناية، إذ شهدت داريا في التاريخ نفسه، قبل أربع سنوات، مجزرة مروّعة راح ضحيتها نحو500 شهيد في يوم، ضمن حملة عسكرية استمرت أسبوعاً علی المدينة بسبب مشاركتها الفاعلة في المظاهرات الثورية المطالبة بإسقاط النظام، وهي جريمة في نظر النظام تستوجب العقاب والتهجير.
الحقيقة المؤلمة أنّ داريا أثبتت اليوم حجم المأساة السورية الجديدة المتمثلة في التهجير القسري الذي يقوم به النظام في إطار تغيير الخريطة الديموغرافية للأرض السورية، بالإضافة إلی مآسي القتل والتدمير والقصف المستمر، والتي اعتاد عليها السوريون كروتين يومي لا مفرّ منه.
صور كثيرة انتشرت لبكاء ثوار داريا قبل مغادرتها إلی ريف إدلب، كانت كافية لتعبّر عن فاجعة مؤلمة تلقتها الثورة السورية بفقدان معقل بارز، وشاهد من شواهد ثورة آذار المباركة.
تقابل هذه الدموع تعليقات ساخرة لأبواق النظام السوري، وصلت إلى حدّ أن يعلن كاتب من طينة النظام أن تهجير سكان داريا جاء تلبية لحاجة مائدة الأسد للعنب الذي لم يذقه منذ أربع سنوات.
بعيداً عن لغة التخوين التي استخدمها ناشطون في لحظات الغضب ضد مناطق بعينها، لا تزال المعركة بين كر وفر، وخسران المدن لا يعني نهاية المعركة بقدر ما هو درس حقيقي، يستوجب علی القيادات العسكرية والميدانية الإستفادة منه، ومراجعة الأخطاء حتی لا تتكرّر في المستقبل، وحتی لا تتكرّر داريا مرة أخری.