خطورة تشويه التاريخ .. منذر فؤاد

لا يوجد شعب أو أمة أو دولة مهما كان حجمها، إلا ولها تاريخ تفتخر به وتدرّسه لأبنائها، بحيث أصبح التاريخ مادة أساسية في أيّ دولة، إذ يطّلع فيها الدارس علی أحداث الماضي وشواهده التي تقوي ارتباطه بالقيم التاريخية، وتعزّز انتماءه للتراب والوطن.منذر
في الوقت الراهن، وبعد انتهاء دولة الخلافة قبل مائة عام، وما تلاها من أحداث التقسيم الممنهج للتراب العربي الإسلامي، وتعميق الإنتماء للجزء بدلاً من الكل، أضحت الحضارة الإسلامية وتاريخها الممتد عبر مساحات واسعة من الأرض عرضة للتشويه الممنهج، خدمةً لأهداف عصرية تتعلّق بالنفوذ والسيطرة.
وعلى الرغم من خطورة الحملة التي يتعرّض لها التاريخ الإسلامي، لا توجد حتی الآن جهود منظمة لمواجهة التزييف والتشويه الذي يتعرّض له هذا التاريخ، ونشر الحقائق التي تدحض ما يثار من شبهات وأكاذيب. وهو دور افتقده المسلمون كثيراً حتی خلال عصور الخلافة المتعاقبة، وهو ما سهّل لمهرجين كثيرين تأليف الكتب المليئة بالتدليس والأحداث المجافية للواقع. ومثالاً، لا تزال مجلدات كتاب الأغاني تبرز إلی الواجهة ضمن أهم ما أنتجه التراث الإسلامي، على الرغم من أنّ الكتاب، بحدّ ذاته، أداة لتشويه التراث والتاريخ الإسلامي.
واستطاع الكاتب اللبناني، وليد الأعظمي، بجهود فردية، كشف حقيقة الكتاب والأكاذيب التي وردت والأحداث التي تطعن في آل البيت النبوي، وجاء كتابه “السيف اليماني في نحر الأصفهاني” بعد ألف عام علی ظهور كتاب الأغاني. والمعلوم أنّ الغرب أرسل مستشرقين كثيرين إلی البلدان الإسلامية، في إطار حركة الإستشراق التي اتسعت عقب الحملة الفرنسية علی مصر، بهدف دراسة التراث الإسلامي كما يقول أصحابها.
لكن الوقائع أثبتت أنّ الإستشراق لم يكن سوی أسلوب تبشيري، يقوده القساوسة ورهبان الكنائس الأوروبية، لتحطيم المسلمين من الداخل، والاستفادة من مؤلفاتهم وتراثهم الحضاري في آن واحد.
وقد سعی الاستعمار الغربي، من حركة الإستشراق، إلی تشويه التاريخ الإسلامي، ورسم صورة سلبية للتراث الإسلامي تظهره متأثراً باليونان والإغريق، وصولاً إلى التشكيك بالقرآن وأقوال النبي محمد صلی الله عليه وسلم، وأيضاً اللسان العربي الفصيح، من أجل إضعاف ثقة المسلمين بماضيهم، وحملهم علی التشكيك به، وما يترتب علی ذلك من نسف الهوية التاريخية. ومن باب الإنصاف، هناك مستشرقون أنصفوا في بحوثهم التي اتسمت بالمهنية، لكنهم نسبة صغيرة ضمن حركة الاستشراق العامة.
ومع التقدّم التكنولوجي وغزو الفضاء وتطوّر وسائل الإعلام والإتصال، اتخذت حركة تشويه التاريخ الإسلامي طابعاً جديداً يواكب عصر الإنترنت والسماوات المفتوحة. ومثالاً بسيطاً علی ذلك، ذكر موقع إلكتروني أن الكيان الصهيوني خصص خمسة ملايين دولار لتشويه تاريخ الـمسلمين عبر مواقع الأنترنت.
كما تسهم عشرات القنوات التي تدعي حبّ آل البيت بنصيب وافر في تشويه التاريخ الإسلامي، والإساءة للنبي صلی الله عليه وسلم وصحابته الكرام طوال ساعات البث، وتسهم بشكل فاعل في تشويه التاريخ الإسلامي.
أحداث كثيرة تأخذ حالياً طابعاً عنيفاً، يتم ربطها بالتاريخ الإسلامي في وسائل إعلام غربية كثيرة، ضمن إطار التشويه المستمر للتراث والحضارة الإسلاميين، إذ استطاعت هذه الوسائل الإعلامية ربط مصطلح الإرهاب وحصره بالمسلمين، بينما لا يرتقي الرد الإسلامي إلی المستوی المطلوب.
تشويه التاريخ الإسلامي أمر في غاية الخطورة، ويستدعي من المسلمين والحكومات الإسلامية خصوصاً خطوات جادة وعملية للتصدّي لكلّ المحاولات، بأكثر من وسيلة، وعلی المستويات كافة، فهل سنجد آذاناً صاغية تكون عند مستوی المسؤولية التاريخية، لتنصف المسلمين وتاريخهم من محاولات التشويه؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى