تركيا على خطى إيران… محاولة اغتيال لسلاف فواخرجي… وكيف قادت مذيعة وفدَ التفاوض في داريا
راشد عيسى :
استطاع المخرج الإيراني محسن مخملباف، بعد ربع قرن على إنجازه فيلم «ليالي شارع زايندة»، أن يسترد فيلمه من الرقابة الإيرانية، بعد أن بقي حبيس الأدراج طوال تلك الفترة. سُرق الفيلم وهرّب وجرى ترميمه وعرض أخيراً في افتتاح «تظاهرة الأفلام الكلاسيكية» في الدورة 73 لمهرجان فينيسيا السينمائي.
الفيلم، عند إنجازه، كان نقطة صدام للمخرج مع نظام بلده، بعد أن كان من أشد المؤيدين، لكنه في ذلك الوقت بالذات طلبت الرقابة أن تحذف سبعة وثلاثين دقيقة من الفيلم، لأنها تتعارض مع «روح الثورة الإيرانية وقيمها». وحينذاك (أنتج الفيلم العام 1990) اكتشف مخملباف أن النظام الجديد الذي حارب من أجله ليس سوى صورة من صور نظام الشاه، فكانت لحظة الافتراق.
مع هذه الاستعادة للفيلم، وللدقائق الثمينة المستردة، يتذكر المرء فيلما تسجيلياً أنجزه الإيراني جمشيد أكرمي وحمل العنوان «سينما الخصوم» وفيه رصد بارع لتدخلات الرقابة في الأفلام السينمائية الروائية الإيرانية، وكيف تحول كثير من تلك الأفلام إلى كوميديا بفعل التحايلات على شروط الرقابة، حيث المرأة محجبة حتى في غرفة نومها، أو أنها تظهر ممددة على السرير، على مسافة من زوجها، أو أنها تظهر وهي تجفف شعرها بالسيشوار لكن من وراء الحجاب، أو لعلها حتى حين تقف تحت «الدوش» ستصرّ على ارتداء الحجاب. ويصل الأمر، حين يركب شاب وفتاة دراجة نارية أن يضعا بينهما حاجزاً هو عبارة عن صندوق خشبي. وهنا، مع مشاهد كهذه، سيكون من العسير أن يجري الترميم والإصلاح، فهذه حيوات معطوبة بالكامل. هكذا نعرف ما أفسدته الرقابة في ذلك البلد. ليس مشهداً، أو دقائق في فيلم، فالبلد برمته رهن الرقابة، ولا سبيل إلى الترميم إلا بزوال النظام الذي امتدت رقابته حتى ما وراء الحدود.
تركيا على خطى إيران؟
سيكون ممتعاً أن يعرف المرء تفاصيل وموجبات منع تقديم أعمال ونصوص مسرحيين وكتاب عالميين، مثل وليم شكسبير، وأنطون تشيخوف، وبرتولد بريخت، وداريو فو، في تركيا أخيراً، التي وصمت كلها بأنها تتعارض «مع الروح الوطنية التركية ولا تُشجع على الالتزام بالهوية التركية». ممتع أن نتعرّف على القراءة الخاصة بالرقيب التركي لأعمال هؤلاء المبدعين.
لن يتاح لنا أن نعرف ما موقف شكسبير وتشيخوف وبريشت بالحظر التركي، لكن الإيطالي داريو فو قالها بوضوح «منعي هو تكريم لي، بمثابة جائزة نوبل للآداب مرة جديدة».
وهو لم يستغرب المنع حيث قال «الحظر ليس سيئاً في ذاته، ففي تركيا، وقبل عشرين سنة أحرقوا فندقاً كان يحتضن فرقة مسرحية تعرض إحدى مسرحياتي».
لماذا نذهب بعيداً، فتركيا غير راضية عن الروائي التركي الحائز نوبل أورهان باموق، ولطالما هاجمته لمجرد اعترافه بمذابح الأرمن. وهو بسبب المضايقات والتهديدات التي تعرض لها مراراً يعيش الآن خارج بلده.
النظام في إيران بدأ شاملاً، غطى البلد كله بـ «الشادور»، فكانت الرقابة مجرد تفصيل. إن تركيا تبدأ الآن من الرقابة، ولا ندري إن كانت ستصل إلى أن تغطي البلد كله بـ «الشادور».
محاولة اغتيال
حفاوة رسمية حظيت بها النجمة السورية سلاف فواخرجي، أثناء حضورها «مهرجان الخرطوم للفيلم العربي» الأخير. لكنها لم تلق الحفاوة التي تحلم بها على مستوى جمهور السينما، فالشبان هناك يعتبرونها «شبيحة» للنظام السوري، وفوق ذلك جاءت دعوتها مترافقة مع تهجير أهل داريا من بيوتهم، فجاء الاستقبال أقرب إلى الامتعاض، والاستياء من الحفاوة الرسمية، وهذا حسب رواية فنان صديق، وكذلك فإن مواقع التواصل الاجتماعي نقلت جانباً من الجدل حول حضور النجمة.
لكن أن يصل الأمر إلى حدّ فبركة قصة «محاولة اغتيال سلاف فواخرجي من قبل المعارضة السورية في الخرطوم» فهو الهزل بعينه. إذ تقول الأنباء إن الأمن السوداني أوعز بحمايتها بعد أن شم محاولات لاغتيالها، وهي بدورها لم تقصر في شكرهم حين وصلت إلى بلدها.
أياً كان مستوى انحياز النجمة السورية للنظام السوري وجرائمه، سيكون مضحكاً أن يفكر أحد ما في «اغتيال» سلاف فواخرجي. إنه عنوان صحافي لا تستحقه. ربما يصح القول أكثر إنها ليست سوى محاولة امتعاض.
تحويل الأمل إلى كيميائي
قالت الفنانة أمل عرفة، وهي تواجه محنة أبيها، الملحن المرموق سهيل عرفة، وقد أصيب بذاك المرض، وتلقى جرعات من العلاج الكيميائي الناجح، أمدّ الله في عمره، إنها قوية ومتمسكة بالأمل. ونقلت عنها صحف عبارة مؤثرة قالت فيها «إننا نحوّل الكيميائي إلى أمل».
حبّذا لو دفعتها تجربة الألم تلك كي تنظر جيداً حولها، عساها ترى كيف يتحوّل الأمل إلى كيميائي.
إعلاميون جنرالات
من بين ما يستحسن أن يربي المرء نفسه عليه، إذا كان صحافياً خصوصاً، أن لا يفرح لإيقاف صحيفة، أو إغلاق فضائية، أياً كانت الأسباب، وأياً كانت أحوال الصحيفة والفضائية. ذلك أشبه بإحراق كتاب، في وقت تكون الوسيلة المثلى التي يستحقها الكتاب هي الحوار، أو الإهمال، إن كان رديئاً لا يُقرأ.
أما فضائيات النظام السوري، ومن بينها قناة «تلاقي» التي صدر قرار بإغلاقها بعد ثلاث سنوات من العمل، فلا شك أن العالم سيكون أفضل من دونها، فهي لا تعرف سوى التضليل وتبرير الجريمة.
هل سمع أحدكم عن مذيعة سورية تعمل في التلفزيون الرسمي (هي ابنة قائد الفرقة الرابعة التي ينسب لها الكثير من المجازر) هي في الوقت نفسه رئيسة وفد التفاوض مع «مسلحي» بلدة داريا، التي هجّر أهلوها أخيراً، وهي صاحبة التهديد: «إما أن تقبلوا بالشروط أو نستأنف إبادة المدينة؟» إنها نموذج عن عدد كبير من إعلاميي النظام. إنهم إعلاميون برتبة جنرالات حرب.
«القدس العربي»