لماذا لا يفتح الثوار معارك الساحل و دمشق؟ .. د.عبد المنعم زين الدين
سؤالٌ تردّدَ – وما يزال – على ألسنة الكثيرين، دون أن يجد لدى كثير منهم جواباً مقنعاً، وآخرُ من طرحه على الإعلام، الدكتور “فيصل القاسم” حين وجهه إليَّ في نهاية حلقة “الاتجاه المعاكس” منذ يومين، وضاق الوقت عن الإجابة عليه بتفصيل.
بداية: لا بد من تبيان موقفي بوضوح، وهو موافقة هذا الطرح بكل قوة، وأني مع فتح معارك الساحل ودمشق كأولوية قصوى، وقد بيّنت ذلك منذ مدة طويلة في مقالات ودروس واجتماعات، وكررته في مناسبات عدة، ذلك أن رأس النظام في دمشق، وقلبه في الساحل، وبالقضاء عليهما أو على أحدهما تكون المعركة قد حُسمت مع هذا العدو المجرم، دون حاجة إلى خوض معارك استنزاف يجرّنا إليها النظام في مناطق السنة، ليهجّر بها أهلنا، ويحصر القصف على منازلهم.
أما جوابي على عدم فتح معارك دمشق والساحل بقوة، على الرغم من وجود محاولات سابقة، كما في معركة كسب، ومعركة “الله غالب” التي تمت فيها السيطرة على سلسلة الجبال الشرقية الغربية لمدخل العاصمة دمشق، ومعارك جوبر- ورأيي في ضعف المعارك السابقة هناك، فأعزوه للأسباب الآتية:
أولاً: الفصائلية: لا أكون مبالغاً إن قلتُ إن أغلب مشاكلنا الثورية، وأسباب تأخرّنا العسكري، مع كثير من الخلافات والنزاعات، تعود إلى فُرقة الفصائل، وعدم اتحادها في جسم واحد، تحت قيادة واحدة، فإذا لم تحصل هذه الوحدة، فكيف لنا أن نتخيل أن يكون قرار الفصائل واحداً في كل المحافظات، بحيث يتم الاتفاق على تثبيت الجبهات في حلب وحماة وحمص وغيرها، وتوجيه الجهود كافة لفتح معارك الساحل ودمشق؟ في ظل اختلاف تفرّد الفصائل كلٌ في جبهة خاصة به، ناهيك عن أثر الفصائلية حتى ضمن الجبهة الواحدة بحيث يتفرد كل فصيل بمعركة دون غيره.
ثانياً: المناطقية: لسنا في مجتمع مثاليّ، فما تزال “المناطقية” تضرب بجذورها في طريقة كلامنا وتصرفاتنا، ومنها في مسألة المعارك، حيث تنصبُّ رغبة أغلب الفصائل – قادة وأفراداً – في كل منطقة على تحرير مناطقهم بالدرجة الأولى، دون النظر إلى مدى أولويتها على مستوى الثورة ككل، مما يجعل منطقة الساحل ودمشق، لا تسترعي بالأهمية القصوى، سوى ثوار الساحل ودمشق، خاصة في ظل اقتصار مرابطة كثير من أفراد الكتائب والمجموعات على مناطقهم دون غيرها، وفي ظل عدم إمكانية وصول ثوار الشمال إلى الجنوب (دمشق).
ثالثاً: ضعف الدعم: حيث لا تزال المعارك بعمومها، تفتقر إلى الدعم الكافي، مما يجعل معارك الساحل ودمشق مفتقرة كغيرها إلى نقلة نوعية في الدعم المقدَّم، خاصة في ظل حاجتهم إلى تجهيزات وعتاد كبير، يتناسب مع حجم القوات المتركزة في الساحل ودمشق، حيث يُولي النظام وحلفاؤه أهمية قصوى للمحافظة على هذه المناطق، فيحيطونها بسياج قوي من الثكنات، والمعسكرات، والمطارات.
رابعاً: الحصار: كما في حالة البلدات المحيطة بالعاصمة دمشق، والتي يمكن أن تُخاطَب -قبل غيرها- بفتح هذه المعارك، حيث تعيش بلدات الغوطة الشرقية، والغوطة الغربية حالة من الحصار الخانق، والذي تسبب بضعف الإمكانات القتالية، في ظل وجود هُدن في المناطق الأخرى المحيطة بالعاصمة، بعد أن نجح النظام في إطباق الحصار عليها، كما في “تشرين، برزة، القابون، القدم، عسالي، اليرموك،…”.
خامساً: الهجرة وقلة العنصر البشري: شهدت جبال الساحل نزوحاً كبيراً إلى مناطق أخرى، تحت وطأة القصف المركز والمعارك الشرسة، كما هاجر كثير من شبابها بحثاً عن فرص عملٍ في الدول المجاورة أو الغربية كما هو حال كثير من شباب المحافظات الأخرى، مما أفقد الفصائل الموجودة هناك كثيراً من عنصرها البشري، الذي يمكن أن يُعوَّل عليه بالدرجة الأولى في خوض هذه المعارك، التي تتطلب معرفة بتضاريس المنطقة وجبالها، ففي جبال الساحل نحتاج للتحرير أعداداً واسعة تغطي الجبال، لا يستطيع النظام تأمينها أيضاً لنفسه، لولا تعويضها بالمليشيات الطائفية التي استقدمها، و لولا مؤازرة سلاح الطيران غير المحدود له.
هل هناك خطوط حمراء دولية وعربية على تحرير هذه المناطق؟
بلا شك إن حلفاء النظام – الظاهرين منهم كروسيا وإيران، والخفيين كأمريكا وإسرائيل- يهمهم بشكل كبير ألا تسقط هذه المناطق بيد الثوار، ولذا فإنهم يبذلون جهوداً حثيثة لمنع ذلك بكل الوسائل، من تقديم الدعم العسكري، والمالي والاقتصادي، والسياسي، اللازم للنظام، من أجل المحافظة عليهما ومنع سقوطهما بيد الثوار.
أما عن الدول القليلة الداعمة للثورة، فلا أظن أنها تقف حجر عثرة أمام تحرير هذه المناطق، لكنها أيضاً قد تكون غير متفقة تماماً – وبجدية تامة – على دعم الفصائل في هذه المعارك، نظراً لتعدد الفصائل في هذه المناطق، وتعدد مصادر الدعم، في ظل تعدد هذه الدول.
ما هو الحل؟ وكيف لنا أن نتخطى هذه العقبات؟
بلا شك يجب علينا ألا نكتفي بالتوصيف والشكوى، وأن ننتقل للبحث عن الحلول الممكنة، والتي يجب أن يكون أولها التركيز على توحيد الفصائل، -ولو على مستوى غرف العمليات المشتركة- خاصة في الغوطة الشرقية، والساحل، وربط معارك الغوطة بمعارك درعا لتصب باتجاه العاصمة، وعلى الشباب من أبناء الساحل واجب العودة لخوض معارك التحرير، دون الاكتفاء بالنقد والتذمر من خطوط حمراء قد نكون نحن من يضعها بأيدينا، وعلى الفصائل أن تدرس بعناية اختيار أرض المعركة قبل خوضها، بحيث تصبُّ المعارك كلها في دعم معارك دمشق والساحل، إما بفتح طريق إليهما، أو بتقوية خطوطهما الخلفية، ويمكن للفصائل البعيدة عن هذه الجبهات، -حال اتفاقها- أن تقدّم ما عندها من دعم (مالي وغيره) للفصائل التي يمكن أن تقود معارك الساحل ودمشق، في حال تعذر عليها مشاركتها في هذه المعارك.
قد يسأل سائل عن “الفوعة – كفريا” و”نبل- والزهراء”:
فلذلك حديث آخر، فلم تكن (نبل والزهراء) يوماً تحت الحصار الفعليّ في ظل انفتاحهما على بلدة “عفرين” الواقعة تحت سيطرة ال pyd والذين قدّموا لهما ما يريدون من غذاء ودواء وسلاح، ولم تكن (الفوعة وكفريا) تحت الحصار بشكل فعليّ أيضاً، في ظل استمرار طائرات الشحن التابعة للنظام بإلقاء حمولات يومية من المساعدات الغذائية والدوائية وغيرها لهاتين البلدتين.
وموضوع المعارك على كفريا والفوعة، تكتنفه بعض العقبات منها: تمترس أهلها فيها دون أن يكون لديهم فرصة للهروب، تخفف من مقاومتهم كما هو الحال أيام معارك تحرير إدلب وأريحا وغيرها، الأمر الذي سيتسبب بخسائر أكبر للمجاهدين خلال اقتحامهما كما جرى في المعارك السابقة، إضافة إلى التزام الفصائل باتفاقية (مضايا، الزبداني) والتي يخشى في حال انهيارها اقتحام العدو لهاتين البلدتين والتنكيل بسكانهما.
كل ما سبق لا يعني أن السؤال والاستفسار عن جمود هذه الجبهات أمرٌ محظور، ولا يعني أن التحريض على فتح هذه المعارك، أمرٌ مذموم، بل إنه أمرٌ جيد وطيب، فلعل هذا الزخم يدفع فصائلنا في هذه المناطق لمزيد من التحلي بالمسؤولية، والاتحاد معاً، في غرفة عمليات واحدة، وقيادة المعارك بجدية نحو الساحل ودمشق، ما لا نريده هو فقط لهجة التخوين، التي لا تفيد بشيء ولا تقدم حلاً، ويبقى السؤال بعهدة الداعمين، ومن قبله بعهدة الفصائل في تلك المناطق بالدرجة الأولى، والمناطق القريبة منهما بالدرجة الثانية، إن أرادوا تقديم أجوبة مخالفة لما ذكرت فهذا شأنهم، فما ذكرته كان حسب علمي ومعرفتي وصلتي بالفصائل، ولست قائداً عسكرياً، ولا داعماً، ولا وسيطاً بين الداعم والفصائل.
اورينت