
انهيار الهدنة الروسية – الأمريكية والمعارضة تتأخر في إعلان موتها
عاشت حلب الشرقية المحاصرة أياماً من الجحيم بسبب شدة القصف الجوي على أحيائها. وتحول ليل حلب الى نهار بسبب القصف بقنابل الفوسفور الأبيض حسب الأشرطة المصورة التي بثها ناشطون حلبيون محاصرون.
وأخرج القصف ثلاثة مراكز للدفاع المدني السوري من أصل خمسة عن الخدمة، فيما دُمر مركز الأنصاري بشكل كامل، وتعرضت كامل آلياته للدمار الكلي.
وصرح مدير الدفاع المدني في حلب، عمار سلمو، لـ”القدس العربي” أن: “الطيران الحربي استهدف حلب بأكثر من مئة غارة بالقنابل العنقودية والقنابل الارتجاجية”. وعن مراكز أصحاب القبعات البيضاء التي مازالت في العمل، قال: “بقي لدينا مركزان للخدمة يعملان في كامل حلب المحاصرة”. ووصف سلمو الوضع بـ”الرهيب”، مشيراً إلى أن “الناس نزحت إلى المناطق الشرقية، الأقل ازدحاما، لكن مدفعية النظام من الجهة الشرقية بدأت بقصفهم”.
في السياق، نوه سلمو إلى قصف قافلة المساعدات الانسانية ومركز الهلال الأحمر في أورم الكبرى غرب حلب، وقال: “الحادثة بدأت الساعة السابعة مساء، واستمر القصف لثلاث ساعات متواصلة”. وأكد أن القصف هو من الطيران الحربي، لافتاً إلى أن “كل ما يطير في سماء حلب هو أسراب من قاذفات سوخوي. وهو ما حدث عند قصف النقطة الطبية في خان طومان”.
القائد العسكري في الجيش الحر، ملهم عكيدي، قال لـ”القدس العربي”: “تمكنا من صدّ كل محاولات تقدم النظام في الطراب، الحيدرية، العامرية وحندرات. المشكلة بالنسبة إلينا هي القصف. هذا أعنف قصف على المدنيين تشهده حلب، لأنه استهدف مضخات المياه، وسيارات الإطفاء، ومحطات المحروقات”. واعتبر عكيدي أن ما تعيشه حلب الآن هو “تحدي صمود. النظام يحاول كسر ارادة الناس من خلال تدمير كامل البنية التحتية”.
سياسياً، اعتبر رئيس المكتب السياسي في تجمع «فاستقم» التابع للجيش الحر، الدكتور زكريا ملاحفجي، أن سبب الهجمة الشرسة على المدينة هو «فشل النظام في السيطرة على حلب عسكرياً، فسعى إلى تركيع أهلها. وقصف كل شيء من القوافل الإنسانية، إلى المستودعات الإغاثية والطبية».
وأضاف ملاحفجي: “بعد إخفاق المجموعة الدولية في التوصل إلى قرار في نيويورك، وعجز الإدارة الأمريكية، فإنه من المرجح أن يستمر النظام في القصف من أجل إجبار الناس على الخروج من حلب”.
ورأى ملاحفجي أن “لا حل لنا إلا التفكير في كسر الحصار عن حلب الشرقية”.
وصرح رئيس الأمانة العامة لاعلان دمشق وعضو الائتلاف الوطني، سمير نشار، لـ “القدس العربي”: “شدة القصف على حلب هي مؤشر لفشل اتفاق الهدنة، الروسي الأمريكي، وخاصة في حلب، وعلينا أن نفهم هذا خاصة بعد الرسائل المتبادلة، من قصف أمريكي للنظام في دير الزور وقصف روسي لقوافل الهلال الأحمر”.
وقال نشار إن : “روحاني تحدث بكامل الصفاقة عن رفض ايران لحظر طيران النظام حسب نص الاتفاق الروسي الأمريكي خلال جلسات الجمعية العامة للأمم المتحدة”. وأضاف: “لن ينقذ حلب إلا تدخل أمريكي مباشر يشبه رسالة القصف الأمريكية في دير الزور لقوات النظام”.
من جهة أخرى، يبدو أن تركيا قد ابتعدت عن التدخل في متغيرات الوضع العسكري في مدينة حلب، وهي تركز جهدها على الإسراع في ضمان منطقتها «الآمنة» حسب تفاهمها مع روسيا والولايات المتحدة كل على حدة. بل يبدو أن الأولوية التركية بعد طرد ” تنظيم الدولة ” من الـ90 كم، الممتدة بين اعزاز وجرابلس، هي التقدم باتجاه الرقة، خصوصا بعد رفض قوات سوريا الديمقراطية خوض معركة «تحرير الرقة»، وتفضيلها التقدم غربا إلى منبج. لكن الولايات المتحدة ستفضل دخول الجيش التركي مع الفصائل العربية الى الرقة. ومن هنا تأتي نتائج «الفتوى الشرعية» لحركة أحرار الشام، بجواز مشاركتها الحرب ضد (داعش) مع الجيش التركي.
غياب تركيا عن حلب، وعدم زيادة الدعم العسكري للفصائل بقرار مستقل ، سيزيدان الوضع في حلب سوءاً. ومن الأجدى التفكير في عواقب خسارة حلب استراتيجيا على الوضع في سوريا، خصوصا بعد خسارة داريا وبدء إخلاء مقاتلي المعظمية وحي الوعر في حمص.
ذلك لأن تغيّر خرائط السيطرة حتى اللحظة يعني ضمان النفوذ الإيراني ـ الروسي ـ التركي، وحتى الإسرائيلي، فيما يبقى العرب غائبون عن الساحة السورية التي ينهشها الجميع.
ويبقى على فصائل المعارضة المسلحة في حلب وإدلب أن تحاول كسر الحصار مرة أخرى، فمحاولتها في الراموسة كانت قاب قوسين من إكمال فتح الطريق، لو أنها وسعت هجومها على محور الراموسة باتجاه الحاضر، ومنعت النظام ومليشياته “الشيعية” من طعنها في الظهر. الهدنة الروسية ـ الأمريكية، التزمت بها المعارضة فقط، بل وتأخرت الفصائل العسكرية في اعلان وفاتها حتى اللحظة.
ومن اللافت أن المعارضة بشقيها لم تلتقط الرسائل الكثيرة الوافدة من البنتاغون، لجهة رفض مشاركة المعلومات الاستخباراتية مع روسيا. فهذا الرفض يعني أن الهدنة لاغية أساساً، فيما استمرت المعارضة في الالتزام بطلب وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، الحائر في كيفية التعامل مع الأزمة والهدنة.
القدس العربي



