استنفار عنصري مصري في وجه السعودية… هل تسعى جوليا إلى موقع أم كلثوم عند الجنرال عون؟ نجدت أنزور وكاميرا الدم
حدث الأسبوع، في الإعلام التقليدي والبديل، بلا منازع كان فيديو الوزير السعودي، أمين منظمة التعاون الإسلامي إياد مدني وهو يتهكم من السيسي، حين زلّ لسانه باسمه فيما كان يتوجه إلى الرئيس التونسي. زلّ الرجل فاعتبر أن الأمر (الخلط بين الرئيس التونسي السبسي، والرئيس المصري السيسي) خطأ فاحش. دعك من ثلاجة السيسي، فلم تكن النكتة موفقة إلى هذا الحد.
تصريح مدني استنفر كل وسائل الإعلام المصري للرد، في حملة ردح لم تنته حتى الساعة. برامج تلفزيونية وهاشتاغات، وشتائم من العيار الثقيل على كل ساحات القتال الافتراضي.
أن يستنفر إعلام السيسي فهذا بديهي ومتوقع، المفاجأة أن الأمر استنفر حتى معارضيه للدفاع عنه باعتباره رمز مصر. فجأة اكتشف معارضو السياسي أنه رمز الجمهورية، كيف يجرؤ سعودي على إهانة الهرم الرابع؟ لقد قيلت العبارة الأخيرة صراحة عدداً من المرات. إنها عنصرية غير مموهة إن لم نقل وقحة، ويبدو أن السيسي لم يكن ليحتاج أكثر من هكذا تصريح كي تُستنفر الوطينة المصرية كلها إزاء السخرية السعودية المباغتة. فبسبب تلك الزلة استحق السيسي اعتذاراً من الوزير السعودي وصف فيه السيسي بـ «قائد عربي محنك»، وبأنه التقاه من قبل «حيث استمع إلى رؤيته الثاقبة حول تعزيز العمل الإسلامي المشترك والتضامن الإسلامي»، إلى سواها من عبارات مديح لم يكن المدني لينطق بها لولا تلك العبارة عديمة الدبلوماسية.
يصعب تصديق أن يكون السيسي رمزاً لمصر العظيمة، حتى لو كان ذات يوم ضحية لعدوان إسرائيلي. السيسي هو السيسي، ولم يكن ليستحق ذلك التهكم لولا أنه بلغ، في مختلف تصريحاته وأدائه السياسي قعراً ربما غير مسبوق. إنه أداء يخجل مصر وكل رموزها.
سيدة الغناء اللبناني!
على قدر اهتمام اللبنانيين بانتخاب الجنرال ميشيل عون لرئاسة لبنان اهتموا أيضاً بصورة جوليا بطرس مع الجنرال سرت على مواقع التواصل الاجتماعي سريان النار. تداولوا وعلّقوا وتهكّموا خصوصاً من تعليقها المرفق مع الصورة :»بيّ الكل… فخامة الرئيس الجنرال ميشال عون». هناك من ترجم التعليق إلى المحكية السورية فصار «الأب القائد»، في إشارة للعبارة المعروفة في وصف حافظ الأسد، ولها في مخيلة السوريين ترجمة مغايرة: «الطاغية».
لعل الصورة أصدق تعبير عن معنى انتخاب الجنرال كتحالف بين نظام الممانعة، ممثلاً بـ «حزب الله» وسيسيّي (نسبة إلى الرئيس السيسي) لبنان. لكن الأكثر طرافة من ذلك أن زملاء لبنانيين رأوا في الصورة محاولة من جوليا لتكون للجنرال ما كانته أم كلثوم لجمال عبد الناصر.
قلنا «بلا تشابيه»، كيفما كان الرأي في مسيرة عبد الناصر وموهبة أم كلثوم، سيبدو مضحكاً جداً لو وضعنا صورتين للرئيسين وللمغنيتين. لا تعليق يليق أكثر من التعبير السوري الدارج «هيك مضبطة بدها هيك ختم».
قضية سعد المجرد
التضامن مع الفنان المغربي سعد المجرد، المتهم بمحاولة «اغتصاب» في فرنسا، مفزع فعلاً. فنانون وأصدقاء ومعجبون أسرعوا وتضامنوا. كيف؟ وأي يقين لديهم؟ وكيف يسوّغون هذا التضامن إلا من باب الفزعة القبلية والعصبية الوطنية.
وصل الأمر إلى حدّ إطلاق هاشتاغ وأغنية بعنوان #كلنا_سعد_المجرد. أغنية يفتتحها صوت طفلة تصرخ بعالي الصوت بالقول «كلنا سعد المجرد».
فزعة لا تجدها في قضايا مماثلة، لا في قضية بيل كلينتون ولا في قضايا مايكل جاكسون وسواهما، ببساطة لأن الناس في هذه الحالة تنتظر القانون وما سيقول.
في انتظار قول القانون كل الأمل أن لا تنهض، لدعم قضية المجرد، نظريات التآمر الغربي والتاريخ الاستعماري والنهب لبلادنا، كما جرت العادة، في قضايا أخرى كثيرة مماثلة.
كاميرا الدم
قبل الثورة في سوريا، كان كثير ممن عمل مع المخرج نجدت أنزور يتحدث عن قسوة غير معهودة في تعامله مع الكائنات، البشرية وغير البشرية، شهد البعض مثلاً كيف أطلق النار بيده على وجه حصان في إحدى لقطات مسلسل. لم يكن المشهد عنده ليستتب من دون عنف ودم وسيوف وصراخ. لذلك فإن الحرب جاءته هدية إلهية، فهي على الأقل، حاجة سينمائية فانتازية، حيث لم تكن لتتوفر له مواقع تصوير حربية ومتفجرات وعسكر عند أي شركة إنتاج. من يشاهد بعض لقطات فيلمه الأخير «رد القضاء»، الذي «يتناول فك الحصار عن سجن حلب المركزي»، سيلاحظ أن الرجل عثر على ضالته في قلب المجزرة السورية.
الكاميرا التي جرى استئجارها مراراً هنا وهناك، لن ترتوي من الدم. القاتل لا يرتوي. الكاميرا القاتلة لا ترتوي.
(يذكر أن الفيلم من إنتاج المؤسسة العامة للسينما في سوريا، وهو من تأليف ديانا كمال الدين، وتمثيل الأردنية جولييت عواد، وكل من الفنانين السوريين مجد فضة ولجين اسماعيل وفايز قزق وعامر علي وليث المفتي وكنان العشعوش ومروان أبو شاهين وجهاد الزغبى ودينا خانكان وآخرين).
كاتب من أسرة «القدس العربي»