من منحكم أصواتنا؟ كيف تتحدثون باسمنا؟ .. علي سفر
على كافة المستويات، هناك أزمة تمثيل لدى السوريين، يمكن التعبير عنها، أو على الأقل استدعاء الأمثلة عليها، من خلال التبرم الدائم، والتشكيك بأولئك الذين يضعون أنفسهم في موقع التحدث باسم المجموع السوري، أو النطق باسم بعض فئاته!
ضمن هذا السياق يمكن فهم أننا ومنذ بداية الثورة وحتى الآن، لا نستكين إلى اعتبار صياغات تنظيمية من مثل ” المجلس الوطني” أو “إئتلاف قوى الثورة والمعارضة” وأيضاً “الهيئة العليا للمفاوضات” تمثل السوريين، أو تنطق باسمهم.
وعلى الضفة ذاتها، يمكن التمحيص بعشرات التشكيلات السياسية الناشئة، وأيضاً عشرات الكيانات العسكرية الناهضة، لنرى كيف أن السنوات الست الماضية لم تستطع أن تفرز على أرض الواقع جسداً سياسياً أو عسكرياً يحوز على إجماع السوريين، ويمكن الاتكاء عليه في المسار المطلوب، وبما يسرّع انجاز عملية سياسية تنهي الواقع المزري الذي يعيشه الجميع في الداخل أو في الخارج.
منذ أن استولى البعثيون على السلطة في العام 1963، وحتى قيام الثورة السورية، كانت قصة التمثيل، مسيّرة ضمن توزعات الصراع بين جهات واضحة؛ فالصراع البعثي البعثي، يقوم على صراع المثقفين/ الأساتذة، مع البعثيين العسكريين، وكذلك فإن الصراع السياسي الأوسع يمضي بين عسكريي البعث وبين نظرائهم من القوى السياسية الأخرى.
وبالتوازي، كانت الواجهات السياسية تشتبك في مواجهة بعضها، ولكن ديناميات هذه المواجهات التي عُمدت بالحديد والنار أفضت في المحصلة إلى سيطرة فئة من العسكريين البعثيين على المشهد برمته، وهي فئة وجدت أن أنجع سبل الاستدامة في التحكم والسيطرة، تُبنى على إلغاء الصراع ذاته، وعلى احتكار تمثيل المجتمع، ومنع أي أحد أو مجموعة من الذهاب إلى مقاسمتها الأمر.
وحتى تلك القوى السياسية التي يمكن أن تشوش عليها، كان من الواجب تطويعها، من أجل أن تكون الجماهير التي تقف ورائها قابعة في بوتقة السلطة ذاتها، وهكذا اختصرت “الجبهة الوطنية التقدمية” التي أنشأها حافظ الأسد في بداية سبعينات القرن الماضي الواجهة التمثيلية لكل الحراك السياسي المفترض، وبات على المعارضين الذين كان أغلبهم هم من المنشقين على القوى السياسية المنضوية في إطار الجبهة ذاتها، أن يعانوا من أزمة أولى تتجلى بعدم قدرتهم على فرض أنفسهم كممثلين وحيدين للتيارت السياسية التي يعبرون عنها! فالوحدويون كالإشتراكيين وكالشيوعيين، لا يمكنهم أن يكونوا متحدثين باسم المجاميع التي تنضوي ضمن هذه التيارات، طالما أنهم منقسمين بين مؤيد للنظام وبين معارضين له.
يمكن سحب الواقع ذاته إلى واقع الثورة السورية، حيث عانى الثائرون منذ البداية من انقسامات غير واضحة الأسباب بين “اتحاد تنسيقيات الثورة”، وبين “لجان التنسيق المحلية”، كما أنه يمكن تأمل الواقع ذاته من خلال رؤية وجود عدة تنسيقيات للمنطقة ذاتها، واستحداث مؤتمرات متعددة للمعارضة، يتحدث الجميع فيها من منطلق ادعاء تمثيله للثائرين وللثورة..! وعلى ذات المنهج صار الجيش الحر جيوشاً، وصار الفصيل فصائلاً، طالما أن المبررات سهلة ومتوفرة، فالجميع ليس لديه الشرعية التمثيلية..!
لو قمنا بسؤال أي من أولئك الذين شاركوا بشكل أو بآخر في العمل الثوري، عمن يمكنه أن يمثلهم، لكان الجواب هو النفي، فسوى أولئك الذين ينضوون حالياً في بعض التشكيلات السياسية، فإننا لن نجد أحداً يقوم بتسليم صوته أو الحق في التمثيل لأحد، لا بل إن رفض الأمر يتجاوز هذا التفصيل ليصل إلى عتبة رفض وجود أي تمثيل سياسي، طالما أن الثورة ماتزال قائمة على الأرض، فالسياسة تعني فيما تعنيه لدى فئات كبيرة من السوريين وجود الفساد والمصلحة، ولابد أن يترافق هذا الأمر مع إشارات صريحة إلى الواقع المزري الذي قدمته المعارضة السياسية طيلة السنوات السابقة.
يدعي النظام في الوقت الراهن أنه ينطق باسم السوريين، وهو في الحقيقة لا ينطق سوى باسم أولئك الذين ترتبط مصالحهم الصغيرة والكبيرة بوجوده واستمراريته، وهو ضمن هذه الحالة لا يعدو أن يكون سوى واجهة لفئة محددة من المستفيدين، وهؤلاء في الحقيقة هم من يعملون لصالحه، ولكنه وفي ظل واقع سيطرته على كافة مؤسسات ومقدرات الدولة السورية، يستطيع أن ينفخ في بالون ادعاء التمثيل كما يشاء، مثله مثل أي قائد مجموعة مسلحة هنا أو هناك، تُظهره الأفلام المصورة بين ثلة من المسلحين يقرأ بياناً، ولكن حضوره سرعان ما يطوى، طالما أن القصة لا تحتاج سوى إلى كاميرا وإلى بضعة سطور مكتوبة على عجل..!
تستحوذ مجموعة مسلحة على مصير سكان منطقة بأكملها، من خلال الادعاء بأنها تنطق باسمهم، مثلها مثل النظام الذي ما أنفك يعيد المشهد ذاته، طالما أنه يأخذ سكان المناطق التي يسيطر عليها كرهائن، وتكرر القوى السياسية المعارضة الأمر ذاته بأدوات أخرى، وجميع هؤلاء أتوا من خلال قوى دافعة، لا علاقة لها بأي حال من الأحوال بالديموقراطية، وهم لم يقوموا في أي لحظة بسؤال أي سوري إن كان يوافق على وجودهم في حياته كلها، ولكنهم يستمرون، فيما يتجهز البعض للدخول بالعدة ذاتها إلى المشهد، وهكذا دواليك!
عن اورينت نت