ظهرت في فيديو إثر قصف الطيران على غوطة دمشق… ما اسم طفلة دوما ذات المعطف الأحمر؟ .. راشد عيسى
لا يحتاج الفيديو الذي يصوّر إخلاء مدنيين، بعد قصف الطيران الحربي لمدينة دوما شرق دمشق يوم الثالث عشر من الشهر الجاري، لأي لمسة إضافية كي تجعل منه مشهداً من فيلم سينمائي، فهو بالمصادفة يحقق ما أراد المخرج الهوليوودي الشهير ستيفن سبيلبيرغ تصويره في أحد أقوى مشاهد السينما عبر فيلمه الشهير «شندلر ليست». فيديو دوما لا يتعدى ثماني وثلاثين ثانية، تصوّر شارعاً ضربه قصف الطيران للتو. نسمع صراخ أطفال، في شارع مدمر، تقريباً من دون لون سوى الغبار والرماد.
وفجأة تركض طفلة، لا يتعدى عمرها الأربع سنوات، وسط المشهد الرمادي بمعطف أحمر، ضاج باللون وسط غياب صريح لأي لون.
اختار سبيلبيرغ تصوير فيلم «شندلر ليست» (1993) كاملاً بالأبيض والأسود.
أراد أولاً أن يعطي الفيلم، الذي يصور جانباً من جرائم النازية في حي بولوني، إحساس الوثيقة التاريخية، لكن في مشاهد قليلة، ليست أكثر من بضع دقائق من زمن الفيلم، اختار الاحتفاظ باللون، جاء ذلك حين صوّر طفلة، هي تماماً آنذاك (في الواقع حوالى العام 1944) بعمر طفلة دوما.
الطفلة كانت بين الجموع من الذين أجبرهم النازيون على مغادرة الحي، وكانت ترتدي معطفاً أحمر، وقد احتفظ المخرج فقط بهذا اللون في محيط يعمّه الأبيض والأسود.
سبيلبيرغ أراد لهذا اللون أن يبقى على رادارات العالم، لوناً لا ينسى، وعلامة على جريمة لا يمكن التغاضي عنها.
طفلة سبيلبيرغ تمشي بين الجموع، نراها على شيء من الوعي، تحاول تجنّب التدافع، ثم تمشي بخطى تبدو واثقة، ثم تصعد الدرج وتتسلل لتختبئ أسفل سرير في غرفة مهجورة. إلى أن تُرى ميتة فوق الجثث ولم يكن بالإمكان التعرف عليها لولا المعطف الأحمر.
هي حكاية على هامش حكاية فيلم يروي كيف استطاع الصناعي شندلر إنقاذ عدد من اليهود من المحرقة بذريعة احتياجهم له في مصنعه.
موت الطفلة في فيلم سبيلبرغ جاء مخالفاً للواقعة الحقيقية، إذ إن الطفلة في الواقع تنجو، وبالضبط بسبب المعطف الأحمر، وهي ستروي لاحقاً في مذكرات صدرت بعنوان «الفتاة في المعطف الأحمر» (2003) «تم تهريبي مع أمي، بعدئذ بحثنا عن مخبأ لنا، وفي وقت ما، وبعد أن أُصبنا باليأس دققنا باب إحدى العائلات التي لا نعرفها، وقد ضمّتنا السيدة مانويلا كيرنيك إليها، لأنها وجدتني حلوة، وسمّتني بفريز الغابة».
بفضل ذلك المعطف تعيش روما ليغوكا، وهذا هو اسم طفلة الرداء الأحمر، إلى اليوم رسامة ومصممة في ميونيخ، وهي غالباً ما تبدي انزعاجها ممن يسألها «لماذا في ألمانيا؟» لأن الجواب البديهي بالنسبة لها أن خلوّ ذلك البلد من اليهود سيعني أن هتلر قد انتصر.
ليس لطفلة دوما سبيلبيرغ خاص بها، حتى أننا لم نعرف اسمها بعد، ولم ينجح السوريون، ولا الإعلام العربي أو صناع الملصقات الدعائية، في دفعها إلى رادارات العالم، مع أن الشريط مذهل في تأثيره، موجع إلى أقصى حد، فالطفلة التقطت هنا في لحظة قصوى، مذعورة، ذاهلة عن أمها، تركض وهي تصرخ «ماما»، وندرك جيداً أنها نجت للتو، رغم قصف دمر كل شيء حولها.
غير أننا لم نبلغ تلك اللحظة التي يمكن معها أن نعد طفلة دوما في عداد الناجين، فذلك يتطلب «شندلر» سورياً ما.
طفلة دوما ذات المعطف الأحمر، كان ينبغي لها أن تنعم بالاستماع إلى حكاية مدرسية، من قبيل «ليلى والذئب»، أو «ذات الرداء الأحمر» في تسمية أخرى، لكن قصف الرئيس الروسي وصحبه ابتلع كل الحكايات الممكنة، بشراً وذئاباً، فبدا ذئب الحكاية لطيفاً أنيساً، هو الذي كان سرعان ما ينصاع في آخر الحكاية، ليعيد شخصيات الحكاية التي أكلها إلى أماكنها الأولى.
لكن قبل كل شيء، لا بد لـ«فريزة» غوطة دمشق من اسم ما، فمعرفة اسمها تعني أن البنت قد بلغت النجاة، وهذه أول خطوة في مستقبل الحكاية السورية.
عن القدس العربي