«سفربرلك» في حلب… راشد عيسى
في برامج الهواء جرت العادة أن يتصرّف الكونترول في الاستديو بقطع الصوت، على الأقل، عندما يفاجئ أحدُ الضيوف ضيفاً مقابلاً بكلام سوقي، غير أن ذلك لم يحدث عندما انهالت شتائم أحد أبواق النظام السوري في برنامج «نقاش» على قناة «فرانس24» على الصحافي الزميل رأفت الغانم. استمرت الشتائم من دمشق، لم يقطع الكونترول ولا تصرّف الزميل المذيع توفيق مجيد. وبالعكس، راح الأخير بدلاً من أن يوجه ملاحظة وانتقاداً لبسام أبو عبدالله، وهذا هو اسم ممثل النظام، راح يسكِت الضيفَ الضحية في الاستديو، تماماً كما لو أن المرء جاء يصلح ذات البين في مشاجرة فاستسهل أن يمسك بالضحية تاركاً الوحش فالتاً يضرب ذات اليمين وذات الشمال!
إنه أحد احتمالين، إما أن المُصلح في المشاجرة، وهو هنا الزميل مجيد، مذعور من ضربة تصيبه من الوحش، وقد حدث أن أصيبت القناة الفرنسية بضربة في الخاصرة مع بدايات الثورة السورية، عندما أعلنت سيدة عبرها انشقاقها عن النظام باعتبارها «السفيرة السورية في باريس» لتنفي السفيرة (لمياء شكور) لاحقاً أي اتصال لها بالقناة، أو أن القناة حريصة على بقاء ممثلي النظام السوري ضيوفاً على شاشتها بأي ثمن.
إنه ثمن باهظ لا يقدم أي خدمة للحقيقة بقدر ما يساهم بإثارة الزوابع المجانية. كان ذلك واضحاً عندما أصرت صفحة القناة على «فيسبوك» على أن تشارك مقطع الشتائم بالذات مع عبارة تقديمية تقول «سوريان يتبادلان الشتائم». هل هذا هو الدور الذي تريده القناة الفرنسية لنفسها، الانتساب إلى قنوات الإثارة والتخلي عن دورها كقناة رصينة؟!
ضحك نخبوي في رام الله
تقرير متلفز لـ «بي بي سي العربية» تحدّث عن مهرجان للضحك في فلسطين. اختصر التقرير حال الثقافة في مدينة رام الله بالقول «أقدم سينما مغلقة. دار السينما الجديدة لا تعرض سوى الأفلام الغربية (وكأن ذلك لا يليق، أو أن السينما الفلسطينية والعربية في إمكانها وحدها أن تغطي حاجة محبي السينما!). المتاحف تعرض تاريخ البلاد وتحتفي بما تصفه ثقافة المقاومة». هكذا يقدم التقرير للعبارة التالية: «لكن، ورغم ذلك، يبقى بين الفلسطينيين مكان للضحك».
ليست مفهومة تماماً هذه المقدمة مع ما يليها من حديث عن مهرجان للضحك. وليست مفهومة كذلك عبارة «ورغم ذلك».
يتابع التقرير (ومن الواضح أن معدّيه لا يعرفون بالضبط وجهة لهم) ليشرح أن المهرجان استضاف عشرة كوميديين أمريكيين عرب على مدى سبعة عروض، قدم مقاطع متلفزة منها، ثم مقابلات مع منظمين ومتفرجين. العروض باللغة الانكليزية حتى لو كان المؤدّون عرباً. وبالتالي كان الضحك أيضاً إنكليزياً. هكذا ظهر أن المهرجان معدّ لنخبة رام الله، من الناطقين بالانكليزية، لا لناسها العاديين.
تُرى، هل كان الأمر محسوباً؟ نعني هل يعرف المنظمون سلفاً مخاطر صناعة وتقديم ضحك «محلّي»؟
في التقرير يقول شاب ممن حضروا المهرجان «بضحك أكثر مع صحابي في رام الله». واضح أن هذا الضحك المستورد لم يستطع أن يلامس روح المدينة المنكوبة بالعبوس والاحتلال.
من ميزات الضحك المحلي أنه يخترق، تماماً مثل النكتة المتداولة سراً أو علانية، أحجبة ورقابات متراكمة وخطوطاً حمراء مرسومة سلفاً. ما قد يؤدي إلى مصائب لا تحمد عقباها.
قد يكون الضحك «المحلي» شكلاً من أشكال المقاومة، وربما لا مصلحة للكثيرين في ارتكاب هذا الأسلوب.
هذا في وقت يؤكد منظمو المهرجان أنهم وضعوا سعراً رخيصاً لبطاقة الدخول لجذب الناس للعروض (عشرون شيكلاً)، لقد أخطأوا الطريق. كان أجدى أن يأتي الضحك من قلب أحياء المدينة وحينها سترون كم أن الناس مستعدون للدفع.
سفر برلك
صور كثيرة جرى تداولها في اليومين الماضيين لشبان الأحياء الشرقية لمدينة حلب، التي سيطرت عليها أخيراً قوات النظام، مع تعليقات تقول إن النظام يسوقهم إلى القتال. تقرير عساف عبود مراسل «بي بي سي» أكد ما كان في عداد التكهّنات. لقد زار المراسل فرع الشرطة العسكرية وأجرى مقابلات مع ضباط قالوا إن مصائر المتخلفين عن الخدمة والفارين أو المطلوبين للاحتياط هو الالتحاق بالخدمة العسكرية.
كذلك أجرى المراسل مع بعض الشبان الواقفين في حالة تلق للتعليمات. لا أدري لماذا طغى هنا شعور إجراء مقابلات مع أسرى حرب. عساف عبود وحده كفيل ببث هذا الشعور، وقد آن لـ «بي بي سي» أن تفهم أن مراسلها ذاك، المولع بالتقاط الصور التذكارية مع ضباط وعناصر حواجز النظام لا يمكن أن يكون محايداً. كذلك بدت عيون الشبان مليئة بالمهانة، رؤوسهم المطأطئة، أقدامهم المتراصفة بإذعان، لا تقول سوى أنهم أسرى أو عساكر مساقون إلى سفر برلك.
نرثي لحال هؤلاء الشبان، لقد عاشوا خمس سنوات مضت خارجين كلياً عن سيطرة النظام، وربما خرج الكثيرون في مظاهرات ضده، بأي روح سيساق هؤلاء للقتال؟
ثوار الـ «فيسبوك»
درج موالو الأنظمة الاستبدادية على السخرية من معارضيهم بوصفهم بـ «ثوار الفيسبوك»، وغالباً ما يأتي الوصف مكتوباً على مواقع التواصل الاجتماعي نفسها، ومن بينها الفيسبوك، وكأنه مسموح للاستبداد والقتلة ومحرم على المعارضين. آخر هؤلاء الساخرين كان الرئيس السوداني عمر البشير حين قال «لن نسلم السلطة لناس الكيببورد والواتس آب»، في إشارة لمعارضيه، ساخراً منهم بالقول «يريدون إسقاط الحكومة من خلال الواتس آب والكيبورد».
ماذا تريد إذاً؟ هل يعجبك أن يقتحموا المدن بالدبابات والأسواق بالمفخخات والمساجد بالانتحاريين؟
فقط حين يكون المرء عمر بشير ما سيكون القلم والورق والصورة ووسائل التواصل الاجتماعي «أسلحة» تستحق السخرية!
القدس العربي