لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة…في ظل حكم العسكر .. فراس اللباد

صدق الكاتب والروائي السوري خالد خليفة، عندما وضع هذا العنوان لروايته لأن السلطة التي جاءت بالانقلاب وحكم العسكر جعلت من البلاد خاوية على عروشها من جميع مظاهر الحياة, من أجل الحفاظ على بقائه واستمراره في السلطة إلى هذه اللحظات، جعل المنازل خالية من أي فكر ينهي حكمه الديكتاتوري، ولا أحد يستطيع أن يحمل سكين من المطبخ، ويصرخ الشعب يريد إسقاط النظام، حتى جاءت الفرصة المناسبة وحررت السوريين وجعلتهم يملكون أكثر من سكين في مطابخهم التي افرغها حكم الانقلاب الأسدي ودمرها من كل النواحي المعرفية والاجتماعية.
الرواية ليست جرح بسيط بداخل السوريين بل هي حفر عميق في آليات الخوف والتفكك خلال نصف قرن، كما هي رواية تسرد حياة مجتمع عاش بشكل متواز مع البطش والرغبات المقتولة، عبر الحديث عن عائلة اكتشفت أن أحلامها ماتت وتحولت إلى ركام، كما تحولت جثة الأم التي لم تصدق موت الرئيس الانقلابي إلى خردة يجب التخلص منها ليستمر الآخرون في العيش.
رواية تأخذ بقرائها إلى عالم آخر وتضعهم أمام حقائق خراب الحياة العربية في ظل الأنظمة التي استباحت حياتهم ودمرت أحلامهم.
استطاع الكاتب أن يفضح عن كل ما هو مسكوت عنه في حياتنا العربية والحياة السورية خاصة.
هي رواية عن الأسى والخوف والموت الإنساني، بصمت من أجل بقاء الاستبداد والظلم.
راح الكاتب يقلب المأساة والمعاناة في فصول الرواية الخمسة التي عاشها السوري في ظل حكم الاستبداد عندما تولى السلطة بغير حق، وبين كيف كانت المدنية السورية وخص بها مدينة حلب التي كانت تزدهر بالحضارة العلمية والعملية والثقافية والتحدي حتى أنها تنافس دول العالم الغربي, إلى أن جاء حكم العسكر والانقلاب، وصارت البلاد في الجحيم وأرذال القوم في الأمام.
تنقل الكاتب بين حقول الخس التي كانت تزين أطراف المدينة والخير والوفير في الحال والأحوال إلى العنق الطويل والكعب الأحمر وصولا إلى الجثث المتفسخة التي قتلت برائحتها البلاد مع حجم الانقلاب الذي تولى عرشه حافظ الأسد حيث تمكن من العبث في المكن السوري واللعب على الوتر الديني والطائفي بين الناس والتشجيع علية في الشوارع من خلال تمزيق اغطية الرأس للنساء بحجة محاربة التطرف الديني, وتحطيم الفسيفساء السوري من أجل السيطرة علية, وتحكم بكل حياته من خلال أزلامه في السلطة، واستباحت كل القواعد الإنسانية والأخلاقية التي تحلى بها الشعب السوري، متفاخرا بكل إنجازاته وحضارته وتطوره رغم البساطة في العمل الذي كان يتقنه السوري في السكك الحديدية والحلم الوردي الذي دمره حكم العسكر للمواطن في البلاد.
أصبحت اذرعه في كل مكان من خلال منذر ذلك الشاب الريفي الذي أصبح خارج سوريا يمتهن التجارة بعد رحلة طويلة في طوابير العسكر والأنثى المستباحة التي تشبه البلاد في فقدان عذريتها بعد رتق غشاء بكارتها بشكل مؤقت لتستطيع مواجهة الواقع المرير، وشوارع المدينة العارية من الأخلاق كما كانت علية قبل مجيئ القائد الذي مات, والأم التي مازالت لا تصدق ذلك الأمر في تمجيد الحزب والقائد، وحالة القطيع التي عاشها الجميع في الأفراح والأتراح بين شعارات تصدح من مذياع ردئ لا يعرف من الحضارة إلا شعارات القائد الخالد وصفاته القبيحة التي مازالت تعشعش بين جدران المنزل كرائحة العفن والأم المتفسخة على فراشها.
مات الولد قهرا دون أن يعلم أحد بما جلبه الابن لأهله من رحلته الجهادية إلى العراق بمساعدة ذلك النظام البائس الخبيث تحت شعار المقاومة الوهمية التي زج من خلالها بالكثير من الشبان من أجل البقاء والاستمرارية أمامهم صامدا.
ولد كاتب الرواية عام 1964 في أورم الصغرى بحلب السورية, وله عدة أعمال تلفزيونية وادبية, منها رواية مديح الكراهية, التي وصلت للقائمة القصيرة في الجائزة العالمية للرواية العربية في دورتها الاولى في عام 2008 وترجمت إلى عدة لغات منها, الفرنسية والإيطالية الألمانية, النروجية, الإنجليزية, الإسبانية.

 

 

 

 

زمان مصدر | خاص

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى