وفاة مصطفى طلاس تسلط الضوء على نفوذ العائلة الاقتصادي والسياسي وسط انقسام بين السوريين

ما إن يتبادر ذكر اسم “مصطفى طلاس” إلى مسامعنا حتى تعود بنا الذاكرة لأول وهلة إلى مجزرة “سجن تدمر” التي حدثت في الثمانينات، والتي اعتبرت إحدى أكبر مجازر الشرق الأوسط في القرن العشرين، وإن ذُكِرَتْ مآثر وزير الدفاع الراحل فلن يذكر منها إلا توقيع مئات قرارات الإعدام أسبوعياً التي رافقتها جرعات من البؤس والألم والدمار النفسي للمعتقلين في ذلك المكان، والتي أفصح عنها وزير الدفاع مراراً، سيُذْكَرْ معها عشرات القصص التي غُيبت عن أعيننا خشية أن يلاقي أحد ذات المصير إن تداولها وكانت الثورة فاضحة لها.
هذه الإعدامات تذكرنا أيضا برواية “القوقعة” لمصطفى خليفة والتي سلط فيها الضوء على الانتهاكات التي حصلت داخل السجون والتي تديرها وزارة الدفاع السورية مباشرة، هذه الرواية هي مرآة كاشفة للبلد التي حكمها آل الأسد بأذرعه العسكرية والاقتصادية والسياسية الفاسدة والتي ساهمت إضافة إلى العودة بالبلاد عشرات السنين إلى الوراء، ولعل وزير الدفاع الراحل “مصطفى طلاس” الذي توفي في باريس 27 حزيران 2017، هو أحد أقوى تلك الأذرع التي شدت على يد آل الأسد في تدمير كل شيء في سوريا.
انتسب مصطفى طلاس إلى حزب البعث العربي الاشتراكي منذ بداية تأسيسه عند تخرجه في الكلية الحربية برفقة حافظ الأسد، حتى استلم منصب وزير الدفاع لديه لمدة 32 عاماً، لم يتوان لحظة عن تنفيذ كل ما أمره الأسد به من تصديق قرارات الإعدام في سجن تدمر، والتي اعترف طلاس في إحدى مقابلاته مع صحيفة “دير شبيغل” الألمانية أنه يوقع أسبوعياً على 150 حكم إعدام في دمشق فقط، إلى المشاركة في الانقلابات العسكرية والتي كان أبرزها الانقلاب على الرئيس أمين الحافظ، إلى انتهاك ثروات البلد اقتصادياً عن طريق المكتب القانوني لوزارة الدفاع الذي كان مصدر ثروة آل طلاس، ابنه فراس طلاس الذي عُرف عنه أنه أبرز رجال الأعمال في سوريا إلى أن أعلن تأييده للثورة مع أخيه مناف طلاس الذي كان أحد أبرز قادة الحرس الجمهوري.

إلا أن تأييد الأخيرين للثورة ما زال موضع شك الكثيرين ولم يشفع لهما ذلك في الصفح عن جرائم الأب بل اتهمهما الكثير من السوريين بأنهما ضليعان في كل ما اقترف والدهما من مآثم، فالاستبداد لا يقتصر على كونه سياسياً بل ربما كان الاستبداد الاقتصادي ووضع ثروات البلد في يد حفنة أشد وطأة من الاستبداد السياسي. أسس فراس طلاس تجمعاً سياسياً إثر انشقاقه عن النظام وانضمامه للثورة وسمّاه “تيار الوعد السوري” ضم إليه الكثير من الناشطين مستغلاً بذلك حاجة بعضهم، فيما آثر البعض الآخر الولاء المطلق لرئيسه مشيدين بموقفه من الثورة، لكن ذلك التيار وأهدافه وتوجهاته بقيت موضع شك لدى الكثيرين، واستفاد طلاس الابن من ثروته في جذب الكثير إلى صفه، أما مناف طلاس فأعلن انشقاقه متوجهاً إلى فرنسا ومازالت الأنباء تتوارد عن قراره بالعودة إلى حضن النظام أو تأسيسه كتلة سياسية أيضاً تكون بديلاً عنه. ما إن أعلن عن نبأ وفاة مصطفى طلاس حتى انشق السوريون مجدداً بين من يعزي به على اعتبار أن أبناءه منشقون عن النظام ولعل في ابتعاده عن الساحة السياسية في فترة الثورة إشارة إلى رفضه الانتهاكات التي يرتكبها النظام، بينما رأى آخرون أن وفاة المجرم لا يعني أن تنسينا إجرامه فالتاريخ وجد لنسجل فيه مأساتنا.
وكتب عماد العبار على صفحته الشخصية على “الفيسبوك”: “الانقسام الذي أحدثه موت مصطفى طلاس له عدة أسباب أقلها أهمية في حالة طلاس أنه محسوب على السنة، أستطيع أن أقول أن عدداً قليلاً جداً من الذين قاموا بواجب العزاء قد فعلوا ذلك بسبب هذا الدافع، وهو ما وجده الكثير من المعارضين العلويين فرصة لإعادة تضخيم دور المجرمين السنّة”.
بينما كتب دياب سريان على صفحته أيضاً: “حزين على وفاة مصطفى طلاس في باريس، لأنه مات بكل هدوء على فراش دافئ في قسم العناية الفائقة ويتلقى رعاية صحية لم يكن يحظى بها لولا مليارات الدولارات التي نهبها وأبناؤه من تعب الشعب السوري، لا أريد التشفي به وأن أراه في زنزانة حقيرة ديقة كالقبر يلتف حوله السجانون يسومونه سوء العذاب، لكنني حزين لأن سيف العدالة لم يطله ولم يضعه خلف القضبان أو يخضعه لمحاكمة عادلة، لكنني حزين أكثر على المحسوبين على الثورة التي قامت ضد هؤلاء القتلة يترحمون عليه ويتمنون من الله إسكانه جنات النعيم! هؤلاء ما زالوا عبيداً ولن يذوقوا طعم الحرية يوماً”.


أما فاتن فتخالف كل من ينتقد من عزى بوفاة طلاس متهمة إياهم بالرجوع عن الشعارات التي خرجوا من أجلها وقالت “التعزية موقف إنساني وكفى بيع شعارات وبطولات على الأموات”.
ويشاركها في ذلك أحمد، حيث يقول: “فراس جمع ثروته مستغلاً منصب والده ثم ادعى معارضته للنظام فهل سيقوم يوماً ما بإعادة ثروته التي غنمها إلى الشعب السوري؟ سنصدق حقاً أنك معارض عندما تعود هذه الثروات لأصحابها”.
وكتب الصحافي أسعد حنا، “في مثل هذا اليوم من 37 سنة حصلت مجزرة تدمر 27 حزيران 1980 التي قام فيها مصطفى طلاس بالنيابة عن الأسد، اليوم 27 حزيران 2017 يموت مصطفى طلاس ويعزي فيه أبناء من قتلوا على يده في حماه وتدمر وصيدنايا”.
بعد التهجم الكبير على المعزين بوفاة طلاس، خرج ابنه فراس طلاس بعدها وكتب على صفحته الشخصية على “الفيسبوك”: “مع الثورة السورية العظيمة نحتاج إلى ثورة سلوك وأخلاق شكلت داخل السوريين مستنقع من الكره والألم، ولينظف هذا المستودع يجب أن يستمر ضخ الماء فيه ليخرج العفن كله ويعود الصفاء للروح السورية، تعاملت مع من شتمني أنه إخراج للعفن القابع داخل نفوسهم نتيجة القمع”.
فيما لقي إعلان فراس طلاس نفسه عن خبر وفاة والده انتقاداً لاذعاً لنشره صورة لوالده باللباس العسكري الكامل أثناء توليه لمنصب وزارة الدفاع، حيث كان فراس طلاس قد ادعى تبرؤه من ممارسات والده وخلافه التام معه في تلك الحقبة فتساءل أغلب المتابعين كيف له أن يتبرأ من أعماله ثم ينشر صورته حاملاً الأوسمة التي تقلدها مكافأة لأعماله وهو ما اعتبر تناقضاً واضحاً.

 

 

 

 

 

 

 

يمنى الدمشقي | القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى