سينما النظام السوري ممنوعة في باريس… هاني السعدي ضد كل ما حصل… وزياد الرحباني: لا جديد
لم أكن أتمنى أن يحذف فيلم المخرج السوري جود سعيد “رجل وثلاثة أيام” من برنامج “مهرجان السينما العربية”، الذي يعقد حالياً في “معهد العالم العربي” في باريس. لقد حذف الفيلم بعد أن أدرج ضمن البرنامج ونشر للعموم، إثر اعتراضات – على ما يبدو، وكما ألمح أصحاب الفيلم – من ناشطين سوريين لدى إدارة المهرجان والمعهد.
وعلى الرغم من أن حذف الفيلم يتناغم مع المزاج الأوروبي المناوئ للديكتاتورية، المزاج عالي الحساسية للنزعات النازية، إلا أن المنع والحذف والإقصاء يبقى نوعاً من الوصاية على الجمهور، والأفضل أن تعرض هذا الأفلام ولو تحت عنوان “سينما الديكتاتورية”، أو “سينما الممانعة”، أو “السينما الغوبلزية” (نسبة إلى جوزف غوبلز وزير الدعاية الهتلرية)، أو ربما “السينما الأسدية.”..
ومن أجل إدراج الفيلم في إطار تلك العناوين المقترحة لا يحتاج الأمر لحجج ووثائق تثبت انتماء المخرج، وتؤكد أنه من إنتاج “المؤسسة العامة للسينما”، الجهة الرسمية المنتجة للسينما في البلاد، كما لا حاجة للعثور على صور لسعيد مرتدياً الطاقية العسكرية، فهو لم ينكر مرة موالاته الصريحة لنظام بشار الأسد، كما أن أفلامه تدافع بقوة ووضوح عن ذلك النظام.
المذهل هو تلك الحملة التي يشنها الممانعون، من أنصار السينما الأسدية، ضد منع الفيلم وسحبه من برنامج المهرجان. إنهم يتحدثون عن الحرية إذاً، حرية القول والتعبير والكتابة، عن حق المبدع أن يكون موجوداً، وعن حق فيلمه في العرض والنقاش!
أبواق النظام السوري، والممانع، يتحدثون عن حرية التعبير والقول، نظام “الصحف الثلاث”، واحتكار إنتاج السينما بجهة واحدة رسمية، النظام الذي قتل في سجونه الآلاف بسبب كلمة، أو ربما قبل أن ينطقوا بها، نظام التهجير و”المجتمع المتجانس”، نظام المجازر المتنقلة والأسلحة الكيميائية، يتحدثون عن فداحة ارتكاب منع فيلم لجود سعيد في باريس!
ثورة الكومبارس
يستمر الإعلام السوري في استلهام نظرية المجتمع المتجانس التي أطلقها بشار الأسد، والتي تعني في طياتها أن مآسي الموت واللجوء جاءت لصالح من بقي تحت سيطرة النظام، أولئك الذين تخلصوا من نصفهم غير القادر على التجانس.
نقاد الدراما التلفزيونية يعزفون على نول النظرية ذاتها، فهذه صحيفة يتحدث فيها الكاتب بالجملة عن المجاميع البشرية الكبيرة في تصوير المسلسلات، من “فرق الخيل والخيالة المدرّبة على خوض المعارك بالسيف والترس والرماح في مواقع تصوير”، وقد “تحول معظمهم للقتال تحت راية ألوية إرهابية تقاتل بالكلاشينكوف ومدافع (جهنم)!”.
الصحيفة تتحدث عن “انتقال الكومبارس المدجج بالسيوف والدروع الحديدية من عمله أمام كاميرا الدراما، إلى حربه أمام كاميرات محطات الأخبار، حيث احتل الكومبارس “اللوكيشن”، مُصادراً الكاميرات التي صوّر بالعديد منها مشاهد لإعدامات جماعية نقلتها وكالات الأنباء والشاشات الإخبارية، كسابقة في أرشيف العنف البشري المنظم”.
ويتابع كاتب المقال: “تطورت أسلحة الحشود التي كانت تتحرك وتقاتل بإشارة من مخرج المسلسل إلى كتائب وميليشيات في مسلسل “تاريخي – واقعي”، من إنتاج وتمويل المصادر ذاتها التي دفعت بسخاء لتحويل المسلسل التاريخي السوري ذي الطرح النقدي إلى مسلسل ديني أو بدوي يعزف على أوتار المذهبية والطائفية والعشائرية”.
علامَ العتب إذاً، ما دام الممول نفسه قد موّل مجتمع النخبة المتجانس مثلما موّل مجتمع الكومبارس! ثم ألا تدفع ثورة ذلك العدد الكبير من مجاميع الكومبارس إلى التساؤل عن شيء من الحق في ثورتهم؟ وأي فشل يكون قد أصاب النظام الحاكم إن كان قد دفع بمجاميع السوريين للانتماء إلى ما قبل ألف وأربعمئة عام، حيث الخليفة في “قصره مع جواريه وسباياه وغلمانه وسيافيه”، وحيث “الذبح وإحراق (الكفار) أحياء، صار ينقل على الهواء مباشرةً”، على حد قول المقال.
غريب حقاً أن نظام “البعث العربي” بات لا يتقن عملاً إلا شتم التاريخ العربي باعتباره “الزمن العربي الماضي المستمر”، يبدو أنه يجد أن من الأسهل له أن ينسب المصيبة للتاريخ، على أن يكلّف نفسه عناء البحث عن الأسباب في الحاضر.
الجمهور في حاجة إلى شيء جديد
في مقابلة معه، يقول كاتب السيناريو التلفزيوني الفلسطيني – السوري هاني السعدي “اليوم أكتب عن الحياة الإنسانية. وبالنسبة إلى أعمال الأزمة، بالتأكيد أنا ضد ما حصل في هذا البلد العريق، وضد الإرهاب ولكن ما كتب كاف. الجمهور اليوم بحاجة إلى شيء جديد، ولقد كتبت أعمالاً اجتماعية، ولكن تخدمني أعمال الفانتازيا أكثر لكوني أستطيع الإبحار بأفكاري من خلالها”.
مطمئنون إذاً إلى ابتكار اسم لنوع درامي جديد هو “دراما الأزمة”، لكن بالقدر ذاته مطمئنون إلى أن السعدي راسخ في الفانتازيا، سبع سنوات من الواقع الدموي لم تستطع أن تزحزحه عن “بواسل” و”كواسر” و”جوارح”، وكنا قد ظننا أن الثورة قد أطاحت بكل ذلك.
زياد الرحباني يصفق للأسد ونصرالله
الجدل مستمر مرة أخرى حول زياد الرحباني بعد مقابلته الأخيرة في “المنار”، على الرغم من أن لا جديد في تصريحات الموسيقي والمسرحي اللبناني حين يقول، رداً على سؤال حول الرمزية التي يمثلها حسن نصرالله بالنسبة له: “الصامد الأكبر. بعد الرئيس بشار الأسد”.
لا جديد، فالرجل قال على مرّ السنين ما هو أفظع، حين صفق لستالين وبوتين وسواهما.
الجديد والمفاجئ دائماً هم أولئك المدافعون عنه رغم وقوفهم على الضفة الأخرى. كيف يمكن لواقف ضد نظام القتل أن يدافع عن زياد بحجة حق القول، أو بحجة تاريخه واسمه واسم عائلته، إلا إذا كان منافقاً أو متواطئاً مع المجرمين!
راشد عيسى | القدس العربي