نشرت صحيفة تلغراف البريطانية تقريراً تساءلت فيه عما إذا كان العالم مستعداً لإعادة تأهيل بشار أسد بعد الحرب الوحشية التي شنها ضد شعبه منذ عام 2011، مشيرة إلى أن الأخير يمتلك شخصية ضعيفة ومترددة وأن الغرب ساهم في نجاته وزوجته أسماء من المحاسبة.

وجاء في التقرير الذي أعده كون كوغلين أن سلسلة التقارب الأخيرة بين الدول العربية والنظام تشير إلى تحول في المواقف الدولية من الديكتاتور بشار أسد.

 

متورط في العنف

 

واستعرض الكاتب عدداً من الصفات في شخصية بشار موضحاً أنه بعدما ورث الرئاسة عن والده، نجح بشار الخجول والبعيد عن السياسة بتحويل نفسه لأكثر ديكتاتور مكروه في العصر الحديث.

وطوال الحرب ضد الشعب السوري منذ عام 2011، ثبت أن الأسد كان متورطاً في العنف الإجرامي الذي مارسه نظامه ضد شعبه، إما من خلال الإشراف على المجازر في مناطق المعارضة أو استخدام الأسلحة الكيماوية.

ويقول كوغلين إن قدرة الأسد على النجاة من أشد النزاعات وحشية، رغم ما لديه من عيوب شخصية صارخة هو ما دفعه لكتابة كتاب عنه وتحليل الطبيعة المعقدة والمتناقضة والعوامل المهمة التي أبقته في السلطة.

وبالنسبة لشخص لم يولد ديكتاتوراً فقد أنجز بشار مهمة جيدة في ترويع شعبه، حيث تورط في قتل ما يقدر بنصف مليون سوري وهجّر الملايين فيما وجد 15.3 مليون سوري أنفسهم بحاجة إلى مساعدة إنسانية عاجلة.

ولفت الكاتب أن بشار لم يكن مرشحاً أبداً لدور الرئيس، فقد كان الدور لباسل، شقيقه الذي وصفه بـ“بلاي بوي“ وصوره حزب البعث الحاكم بالفارس الذهبي، الذي ارتقى لمقام صورته من خلال تحوله لمحبوب ملاهي بيروت الليلية.

ولكن الآمال بأن يصبح باسل وريثاً لوالده انتهت عندما مات في حادث سيارة قاتل على طريق مطار دمشق عام 1994 وقبل فترة قصيرة من بلوغه الـ 32 عاماً.

 

السيطرة على سوريا المتشرذمة

 

في تلك الأثناء كان بشار يعيش حياة هادئة بعيدة عن الأضواء كطالب طب في لندن، وكان خجولاً ويتحدث بلثغة طفيفة دون أن يكون لديه حياة اجتماعية، إلا أنه بناء على أمر من والده قدمت له دورة أساسية في السياسة والمهارات الدبلوماسية والضرورية للسيطرة على سوريا المتشرذمة في وضع لم يكن مؤهلاً له وإن لفترة مؤقتة.

وعندما وصل إلى الرئاسة عام 2000 تم الترحيب به كوجه للتغيير بعد 30 عاماً من الحكم القمعي لوالده. وكانت الصورة التي قدمها بشار للعالم في المرحلة الأولى من حكمه هي أنه متعلم وحركي وهدفه هو تحديث البلد وتطبيق إصلاحات سياسية واقتصادية.

بالمقابل، ساعد زواجه من أسماء على اهتمام الغرب به، فعندما رتب رئيس الوزراء البريطاني، توني بلير، للزوجين مقابلة الملكة عام 2002 كمحاولة منه للحصول على دعم سوريا في حرب العراق، خرجت الصحافة البريطانية بتغطيات براقة ووصفت أسماء بالأيقونة.

وخلف الأضواء كان الأسد يعاني من الشكوك وبحسب صديق للعائلة “كان هناك شعور عند بشار أنه كان يحاول أن يكون شخصيتين في وقت واحد” و”نصف منه يحاول أن يكون مثل والده والنصف الآخر أن يكون مثل باسل”. وقال معاصر آخر “كان بشار يعيش في ظل والده وفي ظل شقيقه الأكبر” و”كره عندما كان الناس يقللون من قدره”.

وعليه قام بقمع حركة الإصلاح الناشئة وهمش من شكوا في صعوده السياسي وقرب إليه الموالين وعين شقيقه ماهر قائداً للفرقة المدفعية الرابعة. إلا أن العالم غض الطرف عن هذا، فمع تكثف غيوم الربيع العربي عام 2011، نشرت مجلة “فوغ” صورة شخصية عن أسماء تحت عنوان “وردة في الصحراء”، ووصفت فيها أسماء وزوجها وعائلتهما بأنها “ديمقراطية”، وبأنهما زوجان يقضيان الإجازات في أوروبا ويعززان المسيحية ويشعران بالراحة مع النجوم الأمريكيين وأهم طموح لهما هو جعل سوريا “أكثر الأماكن أمناً في الشرق الأوسط”.

إلا أن أي مظهر احترام راكمته عائلة الأسد عبر شركات العلاقات العامة، تبخر في الوقت الذي شعر فيه النظام بأنه مهدد بسبب الاحتجاجات المعادية للحكومة.

 

عانى من التردد

 

لم يكن الأسد نفسه قائداً طبيعياً وعانى من التردد، ويقول المساعدون له إنه كان يغير رأيه 20 مرة، ما جعل من الصعوبة بمكان على القادة الحصول على أوامر واضحة. فمن جهة كان يعد بالإصلاح ويشرف على القمع من جهة أخرى. وهو ما عقد على المسؤولين معرفة أهداف الرئيس، وأضاف تشوشاً على رد النظام.

ويقول روبرت فورد الذي كان سفيراً لواشنطن في دمشق بداية النزاع إنه لا يشك ولو للحظة عمن كان المسؤول وأن الأسد لم يقم بأي محاولة للحد من المتطرفين في النظام و”لم يكن يسيطر على الأساليب اليومية، وأخبر المسؤولين البارزين في الأمن بالتصرف، وكان يقول لهم: أنتم تعرفون ما يجب عمله” و”لم نحصل على أي فكرة أنه كان يدعو لضبط النفس”.

وفي الوقت الذي حاول فيه تقديم صورة رجل قوي يهاجم أعداءه إلا أن ضعفه انكشف عندما أصبح أكثر اعتماداً على إيران. وبعد موافقة طهران على إمداده بآلاف المقاتلين الشيعة الأجانب أصبح الجنرال قاسم سليماني المسؤول الرئيسي. وقال مسؤول استخباراتي أمريكي “وصل الأمر لحد ذهاب سليماني إلى الأسد ليخبره بما يجري وعلى سبيل المجاملة”. ثم ذهب سليماني إلى روسيا وأقنع فلاديمير بوتين بالتدخل ما أنقص من قدر الأسد أكثر.

وقال ضابط سوري سابق “منذ اللحظة التي وصلوا فيها، أصبح الروس هم الذين يُملون الشروط، ولم يكن لدى القادة الروس أي اهتمام بإعلام الأسد عما يحدث”. وفي الوقت نفسه فشلت جهود أسماء في إبعاد نفسها عن المجازر عندما أعلنت الشرطة البريطانية عام 2021 أنها تحقق بالمجازر، وهو تحرك قاد إلى محاكمتها وخسارتها الجنسية البريطانية.

إلا أن الأسد لا يزال يحكم سوريا، وأعيد تأهليه لدرجة دعوته الشهر الماضي إلى القمة العربية في جدة، فنظر العالم متركز على أوكرانيا. وفي مقابلات أجراها لكتابه الصادر حديثاً “الأسد: انتصار الطغيان” وجد أن الطريقة التي نجا فيها الأسد وأسماء كانت لأنهما عاشا في عالمين متوازيين: سرد بنوه لأنفسهما وصورهما بأنهما ضحيتان بريئتان للانتفاضة العنيفة وأجبرهما على الدفاع عن البلد وشعبه.