في غضون ساعتين.. أعادت شرطة الحدود الفرنسية نحو 30 مهاجرا إلى فينتيميليا الإيطالية
“أربعة أيام من دون طعام”، “لم ننم طوال الليل”، “عمليات تفتيش على أساس عرقي”، ورقة “رفض دخول” وإعادة نحو إيطاليا… مهاجرون يروون لفريق مهاجر نيوز تفاصيل إعادتهم إلى إيطاليا من قبل شرطة الحدود الفرنسية.
إلى الحدود الفرنسية الإيطالية
انطلق فريق مهاجر نيوز في 26 أيلول/سبتمبر في قطار الساعة 07:43 من مدينة فينتيميليا الإيطالية باتجاه مدينة “مونتون غارافان” المحطة الأولى في الأراضي الفرنسية بعد اجتياز الحدود بين إيطاليا وفرنسا. رحلة استغرقت تسع دقائق فقط وانتهت بإنزال ثمانية عناصر من الشرطة شابين اثنين من المغرب، حسب قول أفراد الشرطة لبعضهم البعض.
أكمل القطار طريقه وبقي الشابان في المحطة ليتم تفتيشهما وأخذهما جانبا قرب سيارة كبيرة رمادية، ثم غابا عن أعيننا. سرنا على الأقدام عائدين إلى الحدود الإيطالية، على الطريق الذي يصل إلى مدينة فينتيميليا الإيطالية، والذي يسلكه المهاجرون بعد أن تطلق سبيلهم شرطة الحدود والدرك الفرنسيين.
بعد دقائق من عودتنا إلى الجانب الإيطالي على خط الحدود تماما، انضممنا إلى موظفًين اثنين من “أطباء بلا حدود” كانا مستعدًّين عند الساعة الثامنة والنصف بانتظار المهاجرين، لإرشادهم على طريق العودة وبعض الخدمات الأخرى التي تقدمها لهم منظمات إنسانية في مدينة فينتيميليا الإيطالية. حدثنا الموظفان لدى وصولنا بأنهما رأيا ثلاث نساء مع طفلين، ومجموعة من ست أو سبع رجال في صباح ذلك اليوم. وأثناء تواجدنا في هذه النقطة الحدودية، شهدنا عبور نحو 20 آخرين، أي ما يعادل نحو 30 مهاجرا في غضون ساعتين.
“الجبل مراقب بالكاميرات”
كان الشابان التونسيان *رمزي وابن خاله *ماهر أول المهاجرين الذين قابلناهم. قالا بصوت منخفض يدل على خيبتهما الكبيرة من العودة إلى إيطاليا “حاولنا الدخول إلى فرنسا عبر الجبل هذه المرة، لأنهم مسكونا عندما حاولنا العبور في القطار المرة الأولى قبل ثلاثة أيام، وتلقفتنا الشرطة فورا عند محطة مونتون الفرنسية. الآن التقطنا الجيش الفرنسي، الجبل مراقب بالكاميرات. أصيبت ساقاي بجراح كما ترين. نحن في إيطاليا منذ 20 يوما، كنا في ماشيراتا بإيطاليا، نبيت في الخارج، وفي محاولتنا هذه أمضينا أربعة أيام دون طعام. لدينا معارف توانسة يساعدوننا قليلا”.
وحول ظروف الرحلة حتى وصلوا إلى إيطاليا، قالوا “نحن من جندوبة في الشمال التونسي، صعدنا من صفاقس بقارب حديدي، أمضينا 38 ساعة في الماء، أي ليلتان، رأينا فيهما الموت حتى تمكنا من الوصول إلى جزيرة لامبيدوزا. نحن نستطيع نسبح ولكن غيرنا لم يتعلم السباحة.. كان معنا سبعة مهاجرين من الهند في رحلتنا، لا أعرف كيف وصلوا إلى تونس. وجهتنا هي فرنسا، نريد البقاء فيها والعمل وتحسين أوضاعنا.. لدينا الكثير من المعارف في فرنسا. إيطاليا أصعب علينا بسبب اللغة”. وأنهيا كلامهما بالقول “سنعيد المحاولة قطعا مرة أخرى”.
“رفض دخول”
استلم كل من رمزي وماهر ورقة “رفض دخول” من الجانب الفرنسي، وورقة أخرى باللغة الإيطالية تفيد بأن على المهاجر تقديم طلب اللجوء في إيطاليا خلال أسبوع، وبعد هذه المدة سيصدر بحقه قرار مغادرة الأراضي.
أكمل الشابان طريقهما مشيا على الأقدام ولم ينتظرا الحافلة الذي يأتي كل ساعتين صباحا تقريبا وكلفة تذكرته ٢ يورو ونصف.
بعد بضعة دقائق، وصل شابان آخران من تونس أيضا، يقول *أحمد “وصلت لإيطاليا منذ سبعة أيام بعد أن أمضيت في البحر 28 ساعة كي أصل إلى لامبيدوزا، ومن هناك نقلونا إلى صقلية ومن ثم بدأت الرحلة إلى فانتيميليا التي تبعد عنها نحو 1700 كلم.. هذه المرة الثانية التي أحاول فيها العبور إلى فرنسا، أقول لنفسي لماذا أفعل كل هذا؟ منذ ثلاثة أيام لم آكل وأبيت في العراء”.
ويحاول الإجابة عن سؤاله وهو ينظر إلى البحر متأملا “العيشة في تونس لم تعد تطاق، أنا من أرياف القصرين، أريد أن أساعد عائلتي وأن أريحهم، أبي تعب كثيرا ونحن عائلة كبيرة، أريد أن أبني عائلة وأزوّج أخوتي، أريد عملا كريما، غامرت بحياتي ورأيت الموت ودفعت حوالي 2500 يورو للمهربين، وكنا نربي أبقار ومواشي وبعنا كل شيء حتى أتمكن من المجيء”.
يقول ابن عمه *كريم محاولا الحفاظ على ابتسامته “لم نجد مكاناً للاستلقاء والنوم هذه الليلة، أنا متعب كثيرا، أخذوا بصماتنا هنا أيضا بعد أن أخذوها في لامبيدوزا. جميعنا نريد الذهاب إلى فرنسا، كبلت الشرطة الفرنسية يدي عند محاولتنا العبور في المرة الأولى في 22 أيلول/سبتمبر عبر القطار”.
وقبل أن نتركهما ينتظران اثنين من أقاربهما ما زالا محتجزين لدى شرطة الحدود، كلّم أحمد أخته على الهاتف باتصال فيديو، بدت متأثرة وحدثته بحرقة، وقالت له في نهاية الاتصال وصوتها يرتجف “الحمد لله على كل حال”.
صعدنا في الحافلة ورافقنا سبعة مهاجرين في طريق العودة إلى المدينة الإيطالية، حدثنا موظف “أطباء بلا حدود” أن بعض السائقين يعرفون أن هؤلاء مهاجرون، ولا يملكون ثمن التذكرة ويتغاضون عن أخذ أجرة الطريق.
وقال *علي ذو الـ49 عاما من المغرب، والذي توجه فورا إلى نهاية الحافلة متجنبا أن يعيق الدخول والخروج بحقيبتيه الثقيلتين، ساندا رأسه إلى الزجاج الخلفي، وبقي واقفا خلف الركاب جميعا “أنزلتني الشرطة الفرنسية من الحافلة، في التاسعة والنصف ليل البارحة، ولم أظهر لهم أنني أتكلم الفرنسية، لقد تفوهوا بكلمات عنصرية، سمعت أحدهم يقول إنني عبد. نمنا على الأرض بدون غطاء، هناك من يدخن في الحاويات وأنا لا أحتمل الدخان. كان هناك ثلاث حاويات مليئة بالشبان من تونس والسودان ومصر وغينيا وغامبيا والسنغال.
فصلت النساء عن الرجال في حاويات مختلفة لم نرها، لم أعرف لماذا احتجزونا كل هذه الساعات، ولم يعطوني أي ورقة لأنني مسجل طالب لجوء في لامبيدوزا في إيطاليا”.
يضيف علي واضعا يده على خده الأيسر، “دفعت 150 يورو لحجز مقعد لي في الحافلة التي تجتاز الحدود الفرنسية، وسأحاول مرة ثانية الخروج من إيطاليا، أولادي لا يزالون في المغرب. وأنا مختص في لحام المعادن، حرفتي مطلوبة وخبرتي عمرها 25 عاما.
ذهبت من المغرب إلى تونس حيث أمضيت 21 يوما ثم صعدنا في قارب خشبي من صفاقس حيث أعطونا محركا صغيرا، أمضينا 24 ساعة ونحن نفرغ ماء من القارب المعطوب.
أنا لا أجيد السباحة. سرق أغراضنا المهربون وخصوصا القيمة منها، ولم نستطع أن نفعل شيئا وعند اقترابنا من شاطئ لامبيدوزا ضربنا عناصر من خفر السواحل الإيطالي. أعاني من ألم في الجهة اليسرى من فكي الأيسر. سأذهب إلى تورينو لأحاول العبور ربما من سويسرا هذه المرة”.
“عمليات تفتيش على أساس عرقي”
قال المحامي في حقوق الأجانب أولريش ستيج، والعضو في جمعية تعنى بشؤون الهجرة، الذي وصل إلى مركز “كاريتاس” في فينتيميليا مع أعضاء آخرين من الجمعية، لمتابعة الإجراءات الإدارية بحق المهاجرين، إن “هناك أكثر من مخالفة للقوانين الأوروبية” في إجراءات تشديد الحدود.
وأضاف أن “هناك عمليات تفتيش تتم حسب لون البشرة من قبل الشرطة الفرنسية بشكل واضح، وتقريبا كل من بشرته ملونة على الحدود يتم توقيفه عند مونتون غارافان أو عند الطريق السريع هناك، ويتم نقله فورا إلى نقطة الحدود وإعطاؤه ورقة منع من دخول الأراضي، وكأن المهاجرين لم يدخلوا نهائيا إلى الأراضي الفرنسية، وهذا مخالف للقانون لأن المنع يمكن استخدامه لكن ليس بعد الدخول إلى أراضي البلد”.
وأضاف “على فرنسا دراسة الملفات حالة بحالة على الأقل قبل أن تمنع أيا كان من الدخول بإعطائه ورقة منع وإرساله إلى بلد آخر”.
“سنعيد المحاولة هذه الليلة أو غدا”
لدى خروجنا مساء في المدينة، عدنا التقينا بالشابين التونسيين اللذين رأيناهما صباحا على الحدود، عندما كانا بانتظار اثنين من أقاربهما.
هذه المرة، كان الشبان الأربعة معا يتجولون في المدينة، يحاولون الضحك والتخفيف من قلقهم من النوم في العراء، تحت جسر ينام فيه المهاجرون على قطع من الكرتون. يقول أحدهم ساخرا مما يعيشه “لقد سرقوا هاتفي.. من شدة التعب نمت كالقتيل، فتمكنوا من سرقة الهاتف”. قالوا في النهاية إنهم سيحاولون مجددا الدخول إلى فرنسا “هذه الليلة أو غدا”.
*أسماء مستعارة بطلب من المهاجرين.