شمال فرنسا: قرارات رفض “شبه منهجية” لطلبات إيواء القاصرين غير المصحوبين بذويهم
منذ الصيف الماضي، أعربت الجمعيات التي تتعامل مع القاصرين غير المصحوبين بذويهم في منطقة “با دو كاليه” شمال فرنسا، عن قلقها إزاء تزايد حالات رفض السلطات إيواء هؤلاء المهاجرين، بسبب نقص الأماكن المتاحة. وتخشى الجمعيات فقدان ثقة الشبان بها، ما قد يجعلهم ضحايا لاستغلال شبكات إجرامية.
تحت جسر في وسط مدينة كاليه، قضى أحمد* وهو طفل سوري يبلغ من العمر 13 عاما، ليالٍ متتالية مع شقيقه الأكبر خالد*، البالغ من العمر 16 عاما. ووفق محامي القاصرين غير المصحوبين في جمعية “ECPAT” في كاليه، جيريمي ريبيرو “التقينا بهما مع منظمة يوتوبيا 56، وتلقينا عدة قرارات برفض توفير مأوى لهما من قبل السلطات”.
وقال مدير الجمعية “بعد إلحاح كبير، وصلت الفرق التابعة للمحافظة لكن لإيواء الأخ الأصغر فقط، ما رفضه الطفل لأنه كان يريد البقاء مع أخيه”. وبعد عدة أيام من التشرد، انتهى أمر الأخوين بعبور المانش إلى المملكة المتحدة.
إن وضع القاصرين غير المصحوبين بذويهم في منطقة “با دو كاليه” يزداد سوءا من أسبوع لآخر، حسبما حذرت منظمات أطباء العالم و”يوتوبيا 56″ و”Ecpat”، والإغاثة الكاثوليكية، و”لا سيماد”. وفي رسالة مشتركة تم توزيعها يوم الخميس 26 تشرين الأول/أكتوبر، لاحظت الفرق التابعة لهذه المنظمات “أنه ومنذ تموز/يوليو 2023، كانت هناك زيادة كبيرة في قرارات رفض الرعاية من قبل نظام الاستقبال في حالات الطوارئ”. والسبب المعلن هو قلة الأماكن المتاحة.
“قرارات رفض تُصدر بشكل منهجي”
واعتبرت الجمعيات أن قرارات الرفض هذه يتم إصدارها بشكل “شبه منهجي”، منذ أيلول/سبتمبر 2023. يعتبر مركز “Saint-Omer” الذي تديره جمعية “France Terre d’Asile” تحت إشراف المحافظة، مركز الاستقبال المؤقت الوحيد للقاصرين غير المصحوبين الموجود في المنطقة، وفق سيرج دوراند، المسؤول عن ملف القاصرين غير المصحوبين بذويهم في جمعية “France Terre d’Asile”، “بالإضافة إلى ثلاث أو أربع شقق تقع أيضا في (Saint-Omer)، لدينا 70 مكانا للإقامة”.
وبالمجمل، يبلغ إجمالي عدد الأماكن المخصصة للقاصرين في جميع أنحاء المقاطعة، 80 مكانا، لكن كل هذه الأماكن مشبعة.
بين أيلول/سبتمبر و20 تشرين الأول/أكتوبر، أحصت جمعية “ECPAT” وحدها ما لا يقل عن 100 حالة رفض فيها منح المأوى لأطفال، دون احتساب الحالات التي أحصتها جمعيات أخرى.
“لقد فقدنا الاتصال بالعديد منهم”
ويؤدي رفض السلطات المستمر تقديم المأوى للقاصرين، إلى فقدان ثقتهم بالمنظمات والجمعيات. أسفت جولي بريموند، المسؤولة عن تنسيق عمليات حماية الأطفال مع عدة جمعيات، “هذا يخلق عدم الثقة. لم يعد الشباب يريدون التحدث إلينا، لقد فقدنا الاتصال بالعديد منهم”.
على سبيل المثال، فقدت “Ecpat” كل اتصالاتها بشاب بعد أن رفض طلبه للحصول على مأوى لثمانية أيام متتالية. بالنسبة لجميع هؤلاء القاصرين، فإن “هذا يعزز فكرة أن فرنسا ليست أرض الحماية”، وفقاً للمنسقة.
علاوة على ذلك، “ونظرا لأنهم في حاجة ماسة للمساعدة المادية، فقد يجد القاصرون أنفسهم ضحايا لنظام من الاستغلال الجنسي أو قد يحاولون العثور على المال من خلال وسائل أخرى لدفع ثمن رحلتهم (إلى المملكة المتحدة) بشكل أسرع، أو للحصول على بعض الراحة في فندق”.
ويلخص البيان الصحافي المشترك للمنظمات، “في كل مرة ترفض السلطات إيواء طفل، تجبره على اعتماد استراتيجيات للنجاة ستعرضه للخطر، مما يزيد من مخاطر العنف والاستغلال والاختفاء”.
“تشبع النظام على كافة المستويات”
بمجرد استقبال الجمعية قرار الرفض، يتم إرسال تنبيه إلى الإدارة، وفق جولي بريموند، مضيفة أن الجمعيات تشير دائما إلى “عدد الأطفال المحتاجين لإيواء، والمكان الذي يتواجدون فيه، والسبب المقدم لرفض الرعاية”.
وعند سؤالها عن هذه القضية، كررت الجهات العاملة في مقاطعة “با دو كاليه”، “موقفها المبدئي” فيما يتعلق بحماية الطفل، والتي يمكن تلخصيها بـ”رفض التعليق”. مؤكدة استمرارها في تنفيذ عملها “باقتناع وتصميم” بشأن هذه القضايا، لكنها لا ترغب في الرد على الصحافة فيما يتعلق بالتنبيهات المرسلة من الجمعيات.
ويتم تنظيم اجتماعات بانتظام بين الجمعيات ودوائر الدولة حول هذه القضايا، كما أنها أطلعت الجهات الرسمية الجمعيات على التحديات التي تواجهها، والتي لخصها جيريمي ريبيرو، “هناك نوع من التشبع على جميع المستويات”.
ويمكن إعادة هذا التشبع لأسباب عدة، بدايةً تواجه الإدارة “زيادة في أعداد الوافدين من القاصرين إلى مدينة أراس، قادمين من غرب أفريقيا بهدف الاستقرار على الأراضي الفرنسية”، وفقاً لريبيرو، كما يوجد الكثير من التأخير في عمليات طرد الشباب البالغين من هياكل رعاية الطفل، بعد إثبات أنهم ليسوا قاصرين.
ونتيجة لذلك، “يصل القاصرون إلى مركز الاستقبال المؤقت في “سانت أومير”، ويتم الاعتراف بهم كقاصرين، ولكن لا توجد أماكن متاحة لهم”.
زيادة ملحوظة في أعداد القاصرين الوافدين منذ الصيف الماضي
مع ذلك، ومع اقتراب فصل الشتاء، تتزايد طلبات الحصول على مأوى. هناك عامل آخر يؤثر على تراكم الطلبات، فالجمعيات التي توزع الخيام والملابس “لم تعد لديها القدرة على التعامل مع الوضع، وعدد الخيام محدود للغاية”، كما وصفت جولي بريموند.
متابعة “لا يوجد أيضاً ما يكفي من الغذاء. لا يأكل الجميع كل يوم، أو يأكلون مرة واحدة فقط في اليوم. الوضع معقد للغاية، ومن الممكن أن نكون قد وصلنا بالفعل إلى وضع أسوأ من الحالات التي سجلناها في السنوات السابقة”.
يضاف إلى ظروف النجاة الصعبة، زيادة في أعداد القاصرين الوافدين، والتي لوحظت منذ شهر آب/أغسطس. وأكمل جيريمي ريبيرو “نحن ندعم عادة الكثير من القاصرين السودانيين، وهذا أمر ثابت منذ أن كنا في كاليه. ولكن الآن، بدأت بعض الحالات الأخرى التي اعتدنا أن نتعامل معها في الماضي بالعودة، ولا سيما القاصرين الأفغان والسوريين، وبعضهم صغير جدا”.
كما أكد سيرج دوراند من “France Terre d’Asile”، قائلاً “لقد واجهنا أعدادا كبيرة من الوافدين منذ نهاية شهر تموز/يوليو، في منطقة با دو كاليه وكذلك في منطقة باريس. تقع على عاتقنا مسؤولية التكيف مع هذا الواقع بما أن الإدارة هي من تتحكم في توفير أماكن الإيواء”.
عمليات استقبال طارئة
وفي أيلول/سبتمبر الماضي، وخلال اجتماع مع السلطات، “أخبرونا أن مشكلة التشبع هذه سيتم حلها من خلال توفير أماكن إضافية في الهياكل الاجتماعية لاستقبال الأطفال، ومبنيين جديدين مؤقتين لاستقبال الطوارئ”، وفقاً لجيريمي ريبيرو.
لكن، وبحسب المعلومات الواردة، فافتتاح الهياكل الجديدة لا يعني إتاحة أماكن استقبال إضافية، حيث سيتم افتتاح المركز الأول على مسافة ليست بعيدة عن “سان أومير”، لنقل المركز الحالي إلى مبنى جديد. ومن المفترض أن يتم فتح الهيكل الثاني في “أراس”، على بعد حوالي 100 كيلومتر من كاليه، بعيدا عن الساحل حيث يأمل المهاجرون في محاولة العبور إلى المملكة المتحدة. وهنا مرة أخرى، سيكون الأمر يتعلق بنقل المركز الحالي وتوزيع الأماكن الـ80 الموجودة حاليا، ولا يعني ذلك إتاحة أماكن جديدة. ولا تزال الاتحادات تنتظر تفاصيل حول الشروط والجدول الزمني لهذه التغييرات القادمة.
وختمت جولي بريموند حديثها قائلة “نحن نعلم أن المقاطعة تعمل على فتح أماكن إضافية، ونأمل حقًا أن يتم تحقيق ذلك. لكننا لسنا متأكدين من أن المشاريع المعلن عنها ستلبي الاحتياجات الطارئة، على الرغم من أننا كنا نحذر من مخاطر التشبع لفترة طويلة”.