القمة العربية بشأن غزة.. ماذا قدم هؤلاء لأجل دماء الأطفال؟ .. محمد عبدالعاطي
اجتمع يوم السبت “11/11/2023” في قمة الرياض رؤساء وملوك الدول العربية والإسلامية لعقد مؤتمرهم بشأن العدوان على غزة، بعد مرور أكثر من شهر على الحرب الغاشمة التي شنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة بعد عملية السابع من أكتوبر/تشرين الأول.
والتساؤل الذي انطلق في ذهني لحظة رأيت هذا الاجتماع الذي مُلئ بكلمات التنديد وعبارت الشجب والاعتراض على ما يجري في غزة، هو “لماذا اجتمع هؤلاء؟”..
أمن أجل غزة اجتمعوا؟
ذلك القطاع الصغير الذي يسكنه نحو مليوني فلسطيني، ويعد من أكثر الأماكن من حيث الكثافة السكانية في العالم، تلك البلدة التي تعرضت لاعتداءات إسرائيلية على مر السنين، وبعد سيطرة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) عليها في يونيو/حزيران 2007، أعلنتها إسرائيل في سبتمبر/أيلول 2007 “كياناً معادياً”، وفي أكتوبر/تشرين الأول من السنة نفسها فرضَت عليها حصاراً شاملاً.
تلك البلدة التي تُعاني وتُحرم على مر السنين، لأنه يسكنها شعب يرفض أن يستسلم للأمر الواقع “المتخاذل” الذي يضيع حقه فيه، وهو على مرأى ومسمع من رؤساء وحكام تلك البلاد المجتمعة في الرياض، فلم يصيبوا من إخوتهم في الدين والعروبة إلا بعض المساعدات التي تدخل على استحياء بين الحين والآخر إلى غزة من خلال معبر رفح، أو بعض بيانات الشجب كلما شن العدو عليهم غاراته الغاشمة التي أزهقت أرواحاً لا نحصيها الآن.. عزيزة على الله.. هينة على رؤساء القمة العربية!
أم من أجل فلسطين كاملة؟
تعالت بعض الأصوات خلال قمة الرياض “نحن لسنا هنا من أجل غزة بل من أجل فلسطين كاملة” كما قالها الرئيس السوري بشار الأسد.. فهل حقاً تنتظر فلسطين من بشار أن ينصرها ويعبر عن قضيتها؟ هل ينتظر شعب غزة أن يحس به رجل استطاع أن يزهق أرواح عشرات الآلاف من أرواح الأبرياء من شعبه.. إن الأم التي فقدت أطفالها تحت ركام غزة ليست ببعيدة عن الأم التي فقدت أطفالها تحت ركام الشام وحمص وحماة.
“فلسطين كاملة” هل حقاً نحن نقف أمام هذه العبارة.. هل تساءلنا أين فلسطين؟ متى كانت كاملة؟ هل تعي أن هذا الاحتلال مر عليه خمسة وسبعون عاماً.. إن “فلسطين كاملة” أصبحت عبارة يندر أن تجد من يعترف بها أو ينادي بها، لقد احتُلت فلسطين يوم أن احتلت على مرأى ومسمع كذلك من العالم “بل بإرادة دولية” وعلى مرأى ومسمع حكام القمة العربية! فليس حكام القمة الآن بِمختلفين كثيراً عن أسلافهم يوم احتلت فلسطين.
ومما يؤسف حقاً أن غزة لو ضاعت اليوم كما ضاعت فلسطين كاملة بالأمسِ، لأصبح أمراً واقعاً لن يمر عليه وقت طويل حتى يرحب به حكام القمة ويتعاملوا معه، هكذا يروي لنا التاريخ.
أم من أجل الوقوف ضد عدوان إسرائيل؟
مما يثير السخرية أن حملات التطبيع منذ عشرات السنين، لم تكن يوماً أكثر وضوحاً كما هي عليه اليوم، فمنذ 2017، وبِرعاية الرئيس الأمريكي السابق ترامب، تسابقت دول ـ مجتمعة اليوم في الرياض ـ من أجل التطبيع مع إسرائيل، وليتهم لما بادروا إلى ذلك، طالبوا بحل قضية إخوانهم أولاً، بل فعلوها بلا مقابل.
واليوم نرى الولايات المتحدة التي ساقتهم إلى التطبيع هي التي وقفت بصوت عالٍ اليوم في تل أبيب لتعلن “لو لم تكن هناك إسرائيل لكان علينا إيجاد واحدة” فكيف لهم أن يتخذوا مساراً لا ترضى عنه واشنطن، هذا أمر عسير على زعماء القمة المجتمعين في الرياض، فأمريكا بقرار فيتو واحد في مجلس الأمن رفض الهدنة ووقف إطلاق النار حتى تستمر إسرائيل في عدوانها، وزعماء القمة مجتمعين يصعب عليهم أن يدخلوا المساعدات من خلال “معبر رفح” ولم تدخل في النهاية إلا بموافقة أمريكية.
أم من أجل تفعيل “حل الدولتين”؟
لم يكد زعيم عربي ينهي كلمته في قمة الرياض إلا وأكد على أنه حان الوقت لتنفيذ حل الدولتين، وأنه بدونه لن يكون هناك سلام.. فمنذ متى ينادون بذلك، منذ ستينات القرن الماضي!.. ألم يتضح لهم أن هناك شيئاً ما يسير بشكل خاطئ.. ألم يتساءلوا لماذا فشلنا على مدار نصف قرن وأكثر في تفعيل هذا الأمر؟ وهل عندما سارعوا للتطبيع كان في أذهانهم أن حل الدولتين هو شرط للتطبيع؟
لقد اعتدت إسرائيل على كامل أرض فلسطين في 1948، فسيطرت على مساحة شاسعة فأصبح أمراً واقعاً، ثم تمادت في 1967، وطالب العرب بدولتين على حدود “يونيو 67” وأيدت القرارات الدولية ذلك، ثم تمادت أكثر فأكثر فلم تثنها لا القرارات الدولية ولا المطالبات العربية، حتى أصبحت غزة الكيان الحي الوحيد الذي يعبر عن القضية الفلسطينية، وللأسف نجد من بين حكام القمة اليوم من يطالب بنزع السلاح من غزة وإنهاء المقاومة في أحد خطاباته، زاعماً أن ذلك حل للقضية، ولكن المقاومة تعلم والشعوب تعلم أن أمر القضية لو تُرك بيد هؤلاء المجتمعين في الرياض وحدهم لانتهت منذ زمن طويل.
ختاماً فإن اجتماعهم هذا لو نتج عنه تخفيف للعدوان أو إدخال بعض المساعدات إلى قطاع غزة لكان ذلك مشكوراً؛ حيث لا يحتمل القطاع أن يستمر عليه العدوان أكثر من ذلك، ولكن ذلك لم يكن أبداً هو المرجو من دول يربطها بفلسطين رباط الدين والجوار والعروبة والإنسانية!