إفلاس شركة وفقدان 3 ملايين دولار.. خلل في سوق الحوالات في إدلب وتركيا والعراق
استيقظت مكاتب الحوالات المالية في الشمال السوري، أمس الأحد، على خبر إفلاس شركة اعتمادات وحوالات “الريس” والتي تُعتبر بمنزلة بنك مصغّر، وعقدة وصل بين مكاتب الحوالات في الشمال السوري وتركيا والعراق، كان يتم إيداع أموالهم لديها لتتولى عملية التداول في مجال الحوالات المالية في المنطقة.
تسببت عملية الإفلاس المفاجئة بتعطيل خدماتها وتضييع ملايين الدولارات التي كانت في طريقها إلى الأسر في الشمال السوري، وانعكس تأثيرها على سوق الحوالات في المنطقة وتضرر الكثير من مكاتب الحوالات المالية التي كانت قد أودعت مبالغ كبيرة في وقت سابق لدى هذه الشركة.
وأوضح عاملون في قطاع الحوالات لموقع تلفزيون سوريا أن الأهالي يفتحون صندوقاً في شركات الحوالات بما يشبه الحساب البنكي، بينما تفتح شركات الحوالات صناديق في شركات أكبر منها تسمى بـ “برامج اعتمادات” وهي ثلاثة رئيسية: “الراوي” و”الحبوش” وأصغرها وأحدثها “الريس”.
دخل “الريس” السوق قبل أشهر بملاءة مالية متواضعة أمام الشركتين الأخريين اللتين رفضتا فتح حسابات لمكاتب الحوالات التي افتتحت مؤخراً، ولم يكن أمام هذه المكاتب إلا خيار فتح حسابات لدى “الريس”.
وترجح مكاتب حوالات أن الخلل بدأ مع “الريس” قبل 40 يوماً، عندما ارتفع اليورو بالسوق الأوروبية ليتداول فوق حاجز 1.1 دولاراً، فى ظل انحسار مخاوف اتساع فجوة أسعار الفائدة بين أوروبا والولايات المتحدة، وعندما انكشف هذا الكسر في “الصندوق المقاوم” لدى “الريس”، سارعت مكاتب الحوالات لتفريغ حساباتها لدى “الريس”.
وفي حديث لموقع تلفزيون سوريا، قال أحمد عبد الحق وهو أحد أصحاب مكاتب الحوالات المالية والصرافة في إدلب، إنه نجا من فقدان مبلغ كبير لدى شركة الريس حيث إنه كان قد سحب معظم أمواله المودعة لديهم قبل ساعات من إعلان الشركة إفلاسها، واقتصر المبلغ المتبقي على ما يقارب 1500 دولار أميركي، في حين كانت خسارة العشرات من مكاتب الصرافة قد تجاوزت الـ 50 ألف دولار.
وعن تفاصيل القضية أوضح عبد الحق أن المشكلة بدأت مع بداية العام الجديد بالتزامن مع عمليات الجرد والإحصاء السنوي التي تجريها مكاتب الحوالات والصرافة، لتصفية حساباتها مع الشركات المعتمدة مثل شركة “الريس”.
وبلغ عدد المكاتب المتعاملة مع “الريس” أكثر من 1500 مكتب حوالات بين سوريا وتركيا والعراق ودول أخرى، ونتيجة الضغط الذي تعرض له “الريس” عبر المطالبة بالاعتمادات وتسديد المترتب عليه لمكاتب الحوالات، أعلن للعملاء توقّف الدفع متذرّعاً بمشكلة فيه، ليتضح فيما بعد وجود أموال كبيرة مترتبة عليه عاجز عن تسديدها.
لجنة إحصاء.. فقدان 2.7 مليون دولار أميركي
أحصت لجنة من مكاتب الحوالات في الشمال السوري بشكل تقريبي فقدان المكاتب لما يقارب 2 مليون و700 ألف دولار أميركي وهذا ضمن إحصاء أوّلي، في حين رجحت مصادر أخرى أن يكون المبلغ أكبر من ذلك ويتجاوز الـ 3 ملايين دولار.
وعن الضرر الذي لحق بالأهالي نتيجة لذلك، قال عدد من العاملين في الحوالات إنّ معظم المكاتب أعلنت تعليق الحوالات في الوقت الحالي بشكل مؤقت ريثما تنكشف الأمور، بالإضافة لإفلاس بعض مكاتب الحوالات التي كانت تتعامل مع الشركة ما أدّى لانعدام الثقة في السوق ومخاوف باقي مكاتب الحوالات من الوقوع في أي مأزق مرتبط بذلك.
ونتيجة لذلك، أصبح التعامل مع الجهات والشركات الموثوقة فقط، ما أدّى لارتفاع أجور الحوالات لخمسة أضعاف في حال وجد من يقوم بذلك، وقد تصل الأجور إلى 10 أضعاف، ويبقى الأمر كذلك حتى تتضح الأمور.
وتختلف الأنباء حول سبب الإفلاس الذي أعلنته شركة الريس، فالبعض يقول بأنّ مالك الشركة سرق الأموال، والبعض الآخر يقول بأنّ عملية الإفلاس جاءت نتيجة خسارته في البورصة، وآخرون يتحدثون عن أسباب أخرى، في حين تواصل موقع تلفزيون سوريا مع أبو أحمد الريس مالك شركة حوالات الريّس للتعليق على الموضوع والإجابة على التساؤلات المطروحة لكننا لم نلق رداً، حتى ساعة نشر هذا التقرير.
وأكد عدد من العاملين في الحوالات أن “الريس” لم يغلق هاتفه أو يختفي، وإنما يعمل لحل الخلل الحاصل في برنامج الاعتمادات، وقال للمطالبين بحقوقهم إنه يمتلك أصولاً في تركيا بملايين الدولارات وهو مستعد لبيعها ورد الحقوق لأصحابها.
§
التحويلات المالية إلى سوريا تتراجع.. ماذا لو انقطع شريان الحياة الهش
§
توفر التحويلات المالية الخارجية دعما كبيرا للسوريين في الداخل لمواجهة الانهيار الاقتصادي والخدمي الذي تعيشه البلاد، لكنها في الوقت نفسه تشكل عامل دعم للنظام السوري، وربما كانت سببا في تأخير الاحتجاجات الشعبية ضده، وتسكين أوجاع السوريين. إلا أن المؤشرات الاقتصادية الأخيرة ترجح تفاقم الأزمة واتساع رقعة الاحتجاجات، عقب تراجع الحوالات المالية التي يرسلها اللاجئون السوريون والمغتربون لعائلاتهم، وازدياد الانكماش، وسط تضخم عالمي ومخاوف من ركود في الأسواق.
التضخم العالمي يؤثر على تحويلات اللاجئين السوريين
§
اعتاد سليم وهو موظف في إحدى منظمات المجتمع المدني في تركيا “طلب عدم ذكر هويته” أن يرسل شهريا قرابة 100 دولار لعائلته في سوريا، المكونة من أمه البالغة من العمر 70 عاما، وأخيه الأكبر وطفليه، لكن إرسال المبلغ نفسه شهريا أصبح صعبا مع ازدياد معدل التضخم في تركيا وارتفاع الأسعار وإيجارات المنازل، كما يقول.
ويضيف سليم لموقع تلفزيون سوريا “كان هذا المبلغ كافيا لسد الاحتياجات الأساسية لعائلتي الصغيرة، ولكن بعد قرار زيادة الرواتب في سوريا أصبح المبلغ غير كاف لسد الاحتياجات نفسها، كما أثر التضخم وارتفاع الأسعار في تركيا على وضعي المادي، وأنا اليوم غير قادر على إرسال المبلغ نفسه، ولكن لا خيار أمامي فالوضع في سوريا أصعب بكثير..”.
وتستمر أسعار المواد الغذائية في تركيا بالارتفاع بشكل مطرد، حيث تضاعفت منذ حزيران/يونيو 2023 مقارنة بالأشهر السابقة. وليس من المستغرب أن التضخم الغذائي لم يهدأ في تركيا، مع ارتفاع مؤشر أسعار المنتجين للمنتجات الزراعية أخيرا.
الحال نفسه يتحدث عنه رائد، وهو لاجئ سوري في ألمانيا كان يعمل “بالأسود” وقتا إضافيا في مطعم بـ هامبورغ، ويقوم كل صيف برحلة لزيارة أصدقائه في أوروبا، لكنه منذ العام الماضي، ألغى هذا الروتين بسبب “ضيق وضعه المادي”، وارتفاع فواتير الغاز والكهرباء والإيجارات في ألمانيا، مشيرا إلى أن الوضع يتطلب التوفير والاقتصاد بالمصروف، ويقول آسفا “هذا التوفير انعكس سلبا على عائلتي في دمشق، فعملي بالأسود توقف وراتبي بعد دفع الضرائب وسداد إيجار المنزل والفواتير يكاد يكفيني للعيش قرب الحد المتوسط في ألمانيا”.
يوضح رائد لموقع تلفزيون سوريا أنه كان يرسل شهريا 100 يورو لعائلته، واليوم ما زال يرسل المبلغ نفسه ولكن كل شهرين.
التوقعات ترجح تراجع التضخم الألماني بشكل كبير في أيلول/سبتمبر الجاري، بناءً على بيانات من خمس ولايات ألمانية رئيسية اليوم الخميس، مما يشير إلى ما يمكن أن يكون بداية النهاية للتضخم المرتفع الذي أثر بشدة على أكبر اقتصاد في أوروبا. بحسب وكالة رويترز.
وبلغ معدل التضخم السنوي في منطقة اليورو 5.2% في آب/أغسطس 2023، انخفاضا من 5.3% في تموز/ يوليو الماضي.
§
المناطق السورية الأكثر استقبالا للحوالات
§
بحسب بيانات قدمتها مجموعة من مكاتب تحويل الأموال السورية في تركيا لموقع تلفزيون سوريا، فإن أكثر المناطق التي تصل إليها حوالات من اللاجئين السوريين أو المغتربين هي على الترتيب: دمشق ـ حلب ـ حمص ـ حماة ـ درعا. وتشير البيانات إلى أن التحويلات إلى الساحل السوري والسويداء قليلة مقارنة بهذه المناطق.
وتؤكد البيانات أن الحوالات المالية خفت بشكل ملحوظ إثر التضخم في تركيا وفي أوروبا أيضا إلى النصف خلال العام الجاري، ويضيف مدير أحد المكاتب في إسطنبول أن “عددا كبيرا من السوريين بتركيا إما عادوا إلى سوريا أو رُحلوا أو تركوا أعمالهم بسبب خوفهم من الترحيل والتزموا منازلهم أو عادوا إلى ولاياتهم.. إضافة للهجرة إلى أوروبا التي بدأت تنشط نتيجة للتضخم وللعنصرية..”.
وتشهد محافظة السويداء جنوبي سوريا انتفاضة شعبية احتجاجا على الأوضاع الاقتصادية والسياسية، حيث يطالب الأهالي بالتغيير السياسي وفق القرار الأممي 2254، معتبرينه مدخلا لتحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية.
الجدير ذكره أن المناطق الخارجة عن سيطرة النظام والتي تعرضت لأعمال عسكرية ونزوح وتهجير، هي من تستقبل حوالات مالية أكثر من غيرها، حيث لجأ عدد كبير من هذه المناطق إلى تركيا ودول الاتحاد الأوروبي والأردن، أما في لبنان فيعاني اللاجئون السوريون في المخيمات من ضعف الدعم وسوء الأحوال المعيشية.
وفي مدن الساحل السوري الأقل استلاما للحوالات المالية، تتصاعد حدة الخطاب المنتقد للنظام السوري وحكومته، مع ازياد نسبة الفقر وضعف الخدمات، وخاصة عقب الزلزال المدمر، وسط دعوات ناشطين للتظاهر على غرار السويداء.
§
الحوالات المالية تساعد السوريين وحكومة النظام
§
منذ عام 2010، تضاعفت التحويلات إلى العالم النامي، وارتفعت إلى مستوى قياسي بلغ 647 مليار دولار العام الماضي، أي أكثر من الاستثمارات الأجنبية المباشرة لتلك البلدان وأكثر من مساعدات التنمية الدولية، وفقا للبنك الدولي.
ريان بيرج، أستاذ العلوم السياسية في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن قال لصحيفة وول ستريت جورنال إن “التحويلات هي إحدى أصعب القضايا التي يمكننا التعامل معها.. لا أحد يريد حقا التطرق إلى هذه القضية لأن من سيحاول من وجهة نظر سياسية التدخل في التحويلات المالية كنقطة للضغط على الديكتاتوريات عندئذ نعلم جميعا أن الناس سيعانون”.
وتشير الصحيفة إلى أنه في نيبال، تمثل التحويلات المالية ما يقرب من ربع الناتج المحلي الإجمالي، وقد ساعدت التدفقات المالية من العمال المهاجرين في السيطرة على الغضب المتصاعد من الحكومة بسبب تعاملها مع وباء كورونا والركود الأخير. ونقلت الصحيفة عن خبير في الهجرة في معهد أبحاث العلوم الاجتماعية، أن “التحويلات في نهاية المطاف تعزز هيكل السلطة الحالي”.
أما في مصر على سبيل المثال، فتوفر الأموال التي يرسلها المهاجرون إيرادات تزيد ثلاثة أضعاف عما تحصل عليه الحكومة من قناة السويس المملوكة للدولة، بينما تجاوزت التحويلات المالية إلى المكسيك الدولارات الناتجة عن السياحة الدولية وصادرات النفط.
وبالنسبة لسوريا، توقع البنك الدولي استمرار الظروف الاقتصادية بالتدهور، نتيجة للحرب، والاضطرابات الاقتصادية في لبنان وتركيا، وجائحة كورونا، والحرب في أوكرانيا.
وبحسب تقرير صادر عن البنك الدولي في آذار 2023، من المتوقع أن ينكمش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لسوريا بنسبة 5.5% في عام 2023 بعد الزلازل التي ضربت الأجزاء الشمالية والغربية من البلاد في 6 و20 شباط/فبراير. ويرجع الانكماش الإضافي في المقام الأول إلى تدمير رأس المال المادي واضطراب النشاط التجاري.
ويعتبر قطاع الإسكان هو القطاع الأكثر تضرراً (24% من إجمالي الأضرار)، يليه النقل والبيئة (الكلفة المرتبطة بإزالة الأنقاض) والزراعة. ومن حيث الخسائر، تكبد قطاع الزراعة أكبر الخسائر حيث تقدر الفجوة في الوصول إلى الغذاء بنحو 1.3 مليار دولار أميركي (83٪ من إجمالي الخسائر). وتعرضت محافظة حلب لأكبر الأضرار (44% من إجمالي الأضرار، معظمها في السكن ثم الزراعة)، تليها محافظة إدلب (21%). كما تصدرت مدينة حلب قائمة المدن الأكثر تضرراً بنسبة 60% تقريبا من إجمالي الأضرار، تليها اللاذقية (12%) واعزاز (10%).
§
التحويلات المالية.. شريان حياة “هش” للسوريين
§
في وقت سابق، اعتبر دان ستوينيسكو، رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي في سوريا، أن تحويلات اللاجئين السوريين في أوروبا إلى عائلاتهم داخل سوريا تمثل شريان حياة لملايين العائلات، في ظل الأزمة الاقتصادية والمعيشية التي يمر بها بلدهم.
ويعتمد جزء كبير من السوريين الموجودين داخل البلاد على مساعدات أقربائهم ومعارفهم في الخارج، حيث يجري تحويل مبالغ شهرية أو شبه شهرية صغيرة تتراوح بين 125 و150 دولارا بالمتوسط، ويقدّر عدد المستفيدين من هذه التحويلات بأكثر من 5 ملايين نسمة، يتوزعون على مختلف المناطق، وبمبالغ شهرية تقدر بين 125 و150 مليون دولار شهريا، (مركز جسور للدراسات)، ولكن ماذا سيحل بسوريا لو انقطع هذا الشريان الهش أو ضعف التدفق فيه؟.
§
§
§
§
§