ثائر حتى الشهادة … “عبد الباسط ساروت” رمز الثورة وأيقونة الحماصنة .. مرهف مينو

 

قد لا يدرك الكثيرون المعنى الحقيقي لعبد الباسط ساروت بالنسبة لأهالي حمص، ولماذا هو الرمز الذي نعتز به وسنبقى نفتخر به حتى آخر يوم في حياتنا.

عبد الباسط ساروت كان ذلك الشاب الطموح الذي نشأ في حي البياضة المتواضع، ذلك الحي الذي يشبه غيره من أحياء حمص الثائرة مثل الخالدية، وادي السايح، وبابا عمرو. كان يعمل عاملًا في مجال البناء، إلى جانب لعبه في نادي الكرامة، وأحيانًا لم يكن يملك حتى أجرة وسيلة النقل إلى الملعب، فكان يذهب مشياً على الأقدام.

بفضل اجتهاده وتفانيه، أصبح واحدًا من أفضل حراس نادي الكرامة لفئة الشباب، وتم اختياره ليكون حارس مرمى منتخب سوريا للشباب، مما جعله اسمًا معروفًا في حمص حتى قبل اندلاع الثورة. كان الشباب يسعدون برؤيته ويتحدثون عنه ليلًا ونهارًا، فقد كان متواضعًا إلى درجة أنه لم يكن يرفض طلب أي شخص يريد اللعب معه، رغم شهرته وشهرة نادي الكرامة في ذلك الوقت.

عندما انطلقت الثورة من حوران ووصلت إلى حمص، بدأت المظاهرات تملأ الشوارع، وكان أكثرها زخمًا عند “جنينة العلو” في الخالدية، حيث اجتمعت أحياء البياضة، دير بعلبة، جورة الشياح، وبابا عمرو. في الأسبوع الثاني للثورة، فاجأ عبد الباسط ساروت الجميع عندما وقف وسط الناس ممسكًا الميكروفون وبدأ يهتف بصوته العذب، ليشعل الحماس في قلوب المتظاهرين.

منذ تلك اللحظة، بدأت الملاحقات الأمنية بحقه، وأصبح هدفًا لأجهزة النظام، حيث رصدت مكافآت مالية ضخمة لمن يبلغ عنه أو يسلمه. لكنه لم يتراجع، بل كان يشارك يوميًا في مظاهرتين أو ثلاث، متنقلًا بين الخالدية بعد العصر، القصور بعد المغرب، والبياضة بعد العشاء، رغم الاقتحامات والقمع العنيف الذي كانت تواجهه المظاهرات بالرصاص الحي.

في إحدى المرات، كاد أن يُعتقل عند الساعة الجديدة خلال الاعتصام الكبير في الخالدية، حيث تجمع عدد هائل من المتظاهرين بقيادة عبد الباسط وانطلقوا نحو الساحة. فجأة، بدأت قوات الأمن بإطلاق الغازات المسيلة للدموع والرصاص الحي، وكان عبد الباسط في الصف الأول، لكنه نجا بأعجوبة بعدما فقد الوعي بسبب الغاز، ليتمكن لاحقًا من الفرار.

كان عبد الباسط ثورة بحد ذاته، شابًا بسيطًا وخلوقًا، يملك روحًا بدوية أصيلة تدخل إلى القلوب بلا استئذان. لم يكن مجرد ناشط أو منشد، بل كان مقاتلًا في الميدان، قدم التضحيات دون تردد. خسر أسرته، أقاربه، وكل شيء يملكه، لكنه لم يتخلَّ عن الثورة يومًا.

هو ابن حي البياضة الذي أنجب واحدًا من أنقى رموز الثورة السورية، الشاب الذي وحد قلوب السوريين جميعًا، وخاصة أبناء حمص، على حب الثورة والحرية.

الساروت.. نموذج لا يتكرر.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى