تأرجح الدروز بين الحاطوم والهجري … عبد الرحمن زغير

تشهد سوريا اليوم منعطفًا تاريخيًا مصيريًا، حيث قامت الفصائل السُّنية بقيادة أحمد الشرع بتحرير سوريا من حلب حتى دمشق، ثم توقفت معتبرةً دروز السويداء وأكراد القامشلي أعضاء لا ينتمون لجسم النظام البائد، محاولةً حلَّ الأمور معهم بالحوار وضمِّهم والتعاون معهم لبناء سوريا الجديدة الحرة. وحديثنا اليوم عن السويداء.

بدأ التعنُّت يظهر على جبهة السويداء مبكرًا حين رفضوا دخول قوات حفظ الأمن إلى السويداء في مطلع هذا العام.

حتى اليوم لا يوجد موقف أو مطالب واضحة من قبل الدروز التابعين للهجري، فهو يرفض السلطة القائمة، ويتحدث عن المحاصصة وضمان حقوق الأقليات، ويطلب وصايةً دولية، ثم يقول إنه مع سوريا موحدة بدون تدخل أجنبي.

أستغرب هذا الموقف بشكل كبير، ما الذي يمنع أهل السويداء من الالتحاق بركبٍ أصحابه يعدون بالعدالة والمساواة؟
أليسوا أنفسهم الذين تبعوا بشار في طريق الظلم والطغيان؟
ما الذي يعشقه حكمت الهجري وأمثاله من السيطرة العلوية؟
أستغرب كيف يرفض الهجري مَن يعتبره (أخًا) و(شريكًا) في الوطن، بينما كان بشار يفرض عليه بالبسطار أن يناديه (سيادة الرئيس المبجَّل).

هل نظر العلويون الأسديون بكل تاريخهم إلى الدروز بعين الشريك؟
من قام بالانقلاب مع صلاح جديد سنة ١٩٦٦م؟ أليس سليم حاطوم الدرزي؟
كل الشهادات تقول إنَّ حاطوم كان ثاني الثلاثة من ناحية النفوذ، وأشجع الثلاثة، وقرب جماعته من دمشق جغرافيًا يعطي الأفضلية للدروز إن أرادوها حينها طائفية.

وحين أقول الثلاثة فأنا أعني هنا صلاح جديد – حافظ الأسد – سليم حاطوم.
والجميع في الوقت ذاته يعترف بأن حافظ كان الأقل نفوذًا وشجاعةً بينهم، حتى في الأوساط العلوية، كان آل الأسد في القرداحة من أراذل القوم إذا ما قورنوا بآل جديد.

بحسابات الشجاعة والقوة، كان لحاطوم أن يقتسم الحكم مع جديد، وبالحسابات الطائفية كان للدروز أن يكون لهم ثلث مناصب الدولة في الأمر الذي يأخذ فيه العلويون الثلثين.

ولكن ما الذي حصل في الواقع؟
تم تهميش سليم حاطوم والكتلة الدرزية في الجيش والحزب، وتم اضطهادهم وتصفيتهم معنويًا وماديًا.

وهدَّد حافظ بقصف السويداء بالطيران إن اعتصم بها حاطوم، ليرضخ أهل السويداء ويخرجوا حاطوم إلى الأردن وهم صاغرون.
ثم أُعدم حاطوم الدرزي بدمٍ بارد وبدون محاكمة، ورفض حافظ وساطة الأطرش، أبرز أسماء الثورة ضد الفرنسيين.
حافظ وضع كرامة الدروز جميعهم سلمًا تحت قدميه للوصول إلى سدة الحكم.

ألم يعدْ حاطوم بالعفو على أن يعود ليقاوم إسرائيل؟ فما كان من حافظ إلا الغدر.
هل فعل الشيء نفسه مع صلاح جديد العلوي؟
لِمَ كان السجن من نصيب صلاح والموت المذل من نصيب ابنكم؟!

لنفترض أن حاطوم كانت له طموحات سلطة، وحاول الانقلاب، وأن حافظ لا يرحم من يتطلع إلى كرسيه، وأنه ما من مشكلة بين حافظ والدروز.
ما التنمية التي قدَّمها حافظ لهم طيلة سنوات تأييده، أو حتى في أحلك الأوقات حين وقفوا على الحياد؟
ما حال السويداء؟ كم جامعةً ومعملًا ومدينةً رياضيةً وقريةً سياحيةً افتتح فيها؟ كم معرضًا أو حدثًا أو مؤتمرًا استضافت؟

ليأتي بشار ابنه ويكمل ما بدأه أبوه من تهميشهم في أوقات القوة، واستغلالهم في الأزمات.

فلنتفق أنهم لم يكونوا في صف الثورة في يومها الأول.
في كل الغوطة الشرقية، كان هناك مجموعة صغيرة درزية واحدة مقاتلة في وجه النظام الظالم.
خرج من السويداء عشرات البيانات التي تتبرأ منها ومن عملها ومن العاملين فيها، في الوقت الذي دافعت العشرات من كتائب الغوطة عنهم من تحرشات المتطرفين.

دفاع نابع من إحساس ابن البلد، ومن الأهمية الرمزية لهذه المجموعة، فكان همًّا للعاقلين في الغوطة أن تبقى هذه المجموعة في صف الثورة ضمن حدود الغوطة.

تتابعت الأيام، ورزقنا الله وكل أهل سوريا نصرًا في وقت كنَّا قد يئسنا فيه من أي نصر.
لم يحتكر المحررون هذا النصر، ولم يقولوا إنه نصر سني.
قالوا إنه نصر سوري لكل السوريين، ولكن أبى خادم الأسد في البارحة حكمت الهجري إلا أن يكون في الصف الخاطئ.

دعني أقول لك أيها الشيخ الكبير، إنك لم تساهم في هذا النصر، حتى المظاهرات التي خرجت قبل سنتين تتحدث باسم الدروز لم تكن تطالب بأي شيء إلا للدروز، بعد أن بعث بشار أبناءكم إلى الموت لأجله، وقابل هذا العطاء بأن جوَّعكم.
أنت لم تملك القوة لتجبر بشار على تنحية وفيق ناصر حتى.

أنت تنزل تحت إحدى المنزلتين، يا شيخ حكمت.
إما أنك تعشق الذل للعلويين دون غيرهم، شيء من المازوخية ربما.
أو أنك من جماعة (اتقِ شر من أحسنت إليه)، كالضبع تأكل وتغدر.

بكل الأحوال، فالفرق بينك وبين سليم حاطوم شاسع.
سليم كان رجلًا شجاعًا، ولو اختلفتَ معه في التفكير.
كان مقدامًا وفيًّا لرفاقه، يضع قومه الدروز وقيمتهم في مقدمة مطالبه، ومن فوقهم سوريا.
قبل أن يقع في فخ العلوي حافظ الأسد، في سبيل أن يدافع عن وطنه في وجه إسرائيل.

وأنت، لم نركَ تقف في صف الحق يومًا، ولم تسعَ لنهضة قومك.
جبان، لم تقم بثورة إلا ثورة جياع، وتزداد شجاعتك بازدياد التصريحات الإسرائيلية، وبدونها أنت مجرد أرنب!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى