إمبراطورية ماهر الأسد.. كيف استنزفت الفرقة الرابعة سوريا؟

من مواقعها المحصنة في التلال الوعرة المطلة على دمشق، أحكمت الفرقة الرابعة، بقيادة ماهر الأسد، قبضتها على الاقتصاد السوري، منهكة البلاد بعمليات نهب ممنهجة استنزفت مواردها حتى آخر رمق.

ومع انهيار حكم المجرم بشار، تعرضت مقار هذه الوحدة العسكرية، سيئة السمعة والتي أرعبت السوريين لسنوات، للنهب. لكن الوثائق التي بقيت مبعثرة في هذه المواقع المهجورة تكشف تفاصيل مذهلة عن شبكة اقتصادية ضخمة بناها المجرم ماهر الأسد وأعوانه، امتدت من تصنيع وتهريب الكبتاغون إلى فرض الأتاوات على المعابر الحدودية والسيطرة على قطاعات حيوية.

لطالما وُجهت اتهامات لماهر الأسد بتحويل سوريا إلى “دولة مخدرات”، لكن الوثائق التي اطلعت عليها وكالة “فرانس برس” تظهر كيف تغلغلت الفرقة الرابعة في جميع مفاصل الاقتصاد، مما جعلها أشبه بـ”مافيا” داخل دولة مارقة.

ثروات مذهلة وممارسات مافيوية

لم يقتصر نفوذ الفرقة الرابعة على التجارة غير المشروعة، بل امتد إلى السيطرة على المنازل والمزارع، ومصادرة السلع لبيعها في الأسواق، ونهب المعادن من المناطق التي دمرتها الحرب. كما فرضت ضرائب باهظة على الحواجز، وجمعت أموالاً طائلة من حماية مسارات شاحنات النفط، حتى تلك القادمة من مناطق كانت تحت سيطرة تنظيمات متشددة.

وفي قلب هذه الشبكة الفاسدة، كان المقر السري لماهر الأسد يقع فوق متاهة من الأنفاق المحفورة داخل الجبال، مصممة لاستيعاب الشاحنات وضمان هروب آمن عند الضرورة. بعد سقوط النظام، تحولت هذه الأنفاق إلى مناطق منسية، حيث عُثر على خزنات مهجورة وصناديق ساعات فاخرة من ماركات “رولكس” و”كارتييه”، دون أثر لما احتوته من أموال أو ذهب.

اقتصاد الفرقة الرابعة.. دولة داخل الدولة

تكشف المستندات أن ماهر الأسد كان يحتفظ داخل مكتبه بمبالغ نقدية هائلة، بلغت في أحد التقارير 80 مليون دولار، و8 ملايين يورو، و41 مليار ليرة سورية. هذه الأموال لم تكن سوى جزء بسيط من ثروته الفعلية، التي يُعتقد أنها مخبأة في دول عربية وإفريقية، وفقاً للباحث خضر خضور.

ورغم العقوبات الدولية، لم يتأثر نفوذ الفرقة الرابعة، بل تحولت إلى آلة لطباعة المال، فيما كان أكثر من 90% من السوريين يعيشون تحت خط الفقر.

من الرفاهية إلى التهريب

في حين كانت البلاد تغرق في البؤس، كان ماهر الأسد وأعوانه ينعمون بحياة مترفة، مكدسين ثرواتهم في القصور الفاخرة، ومقتنين سيارات فارهة تُشحن من الخارج، بينما اضطر بعض جنود الفرقة الرابعة للتسول من أجل إطعام عائلاتهم.

ومن بين الوثائق، كشف تقرير عن نفقات مدير مكتب الأمن في الفرقة، غسان بلال، الذي كان يصرف عشرات الآلاف من الدولارات شهرياً على كمالياته، بينما كان جنوده يتلقون إعانات زهيدة لا تتجاوز 33 دولاراً.

مستقبل غامض.. وإرث ثقيل

اليوم، ومع انهيار الفرقة الرابعة، تبدو آثار فسادها واضحة في المستندات المتبقية، التي تفضح أسماء رجال أعمال تورطوا في تمويل أنشطتها، بعضهم مدرج على قوائم العقوبات الغربية.

لكن رغم تفكك هذه الإمبراطورية، يحذر خبراء من أن إرثها لم يختفِ بعد، إذ يمتلك أعضاؤها السابقون شبكات مالية وعلاقات عميقة قد تسمح لهم بالعودة بطرق أخرى، في حال لم يتم تفكيكها جذرياً ضمن عملية انتقال سياسي شاملة في سوريا.

متابعة مصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى