إضاءة على كلمة الرئيس الشرع … عبد الرحمن زغير

 

ظهر الرئيس أحمد الشرع البارحة في التاسع من آذار لعام 2025م في كلمته المصورة الثانية منذ انطلاق المحاولة الانقلابية والأعمال التخريبية في منطقة الساحل السوري.

كانت الكلمة مقتضبة موجزة، وأبرز ما فيها إعلانه عن لجنة تقصي حقائق مستقلة للتحقيق في مصدر الفتنة وإراقة الدماء في الساحل السوري.

أظهر بعض أطراف النزاع تململهم من هذا الإعلان، وكأنه من كليشيهات الأنظمة المعتادة في الأزمات.

فالطرف المناصر للدولة ما زال يضرب بيد من حديد، خصوصًا أن الغدر بقوات الأمن والجيش أخذ منحىً راديكاليًا في الأيام الماضية.

والطرف الآخر ما زال يطالب بحماية دولية. في الواقع، أرى خطوة الشرع ذكية ومدروسة زمنيًا ودبلوماسيًا.

لقد صار جليًا لدى الناس على الأرض أن بصمة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) واضحة في التخريب الجاري في الساحل.

يتحدث الكثيرون عن طرف ثالث، فما إن تنتهي الدولة من تمشيط منطقة معينة وملاحقة الفلول الفارين منها، حتى يظهر أناس يحرقون ويسرقون الممتلكات أو يقتلون بشكل مستفز مع إلقاء بعض الكلمات الطائفية المستفزة.

كلمات لن تسمح الدولة لرجالها بالتلفظ بها مهما أعطتهم من حرية في التصرفات.

كلمات وتصرفات تدين الدولة بشكل واضح وصريح , فهل ذلك من مصلحة الدولة لتظهره أو لتسمح به؟

كما أن البعض تحدث عن حصول الفلول على بعض الأسلحة الأميركية، وهو الشيء الذي لم يتوفر لديهم سابقًا ولا لدى داعميهم.

الطرف الوحيد الذي يملك هذه الأسلحة في سوريا هو قسد المدعومة من أميركا.

الملمح الثاني في الأحداث أن الفلول لم يأتوا لحماية العلويين من خطر يتهددهم ولا بقدرات تساعدهم في طرد الدولة من جبالهم لإعلان استقلالهم.

لواضح أن قواتهم أضعف من ذلك بشكل واضح ولم يثبتوا في أي نقطة إلا لساعات.

نقطة قوتهم الوحيدة أنهم أبناء الجبال وأمهر الناس في التحرك بها، خصوصًا أنهم من أبناء المنطقة العلويين.

كل ما يفعله الفلول أنهم يشعلون الفوضى، وكلما خمدت نار الفتنة أذكَوْها.

اليوم حرفيًا، قلة من العلويين يمتطون باقي العلويين لغاياتهم الشخصية.

وكأنهم يقولون: لا مانع لدينا أن يموت ثلاثة أرباع الطائفة ليعيش ربعها (الذين هم نحن).

هم يقتلون العلويين بأيديهم أو ينصبون الكمائن للجيش بالقرب من إحدى القرى لتحصل الاشتباكات داخل القرية، فيسقط بطبيعة الحال مدنيون، فتشتد حالة الاستقطاب.

هنا تأتي أهمية لجنة تقصي الحقائق.

لجنة تقصي الحقائق هي بمثابة دعوة من الشرع لإطلاق هدنة من طرف واحد هو طرفه، كإثبات حسن نية وكدعوة للعلويين ولجميع العالم ليكتشفوا الحقيقة بشكل مستقل لا لبس فيه.

هذه المبادرة أتت بدون شرط أو قيد، فرفضها سيكون حجة عليهم لا لهم.

وسيكون إثباتًا للعالم أن الدولة ليست دولة انتقامية، إنما تأخذ دور المدافع عن النفس.

الشرع ينجح في الرهان الذي راهن عليه خصومه، أنه رجل حرب لا سلام، وأن رجل الجهاد لا يمكن أن يصبح رجل سياسة لكل المجتمع.

المرحلة القادمة صعبة، صعبة علينا جميعًا، إما أن نربح فيها جميعًا سنة وعلويين ودروز ومسيحيين، عربًا وكردًا، أو نخسر فيها جميعًا.

وهنا أقول كلمتي الأخيرة لمن يسمون أنفسهم أقليات.

انظروا إلى لبنان، هل الطبقة السياسية فيها تعبر عن أتباعها؟ أم أنهم يحصدون المكاسب باسم طوائفهم وصار كل منهم ديكتاتورًا منفردًا على طائفته لا يختارونه ولا يختارون من يخلفه.

إما أن نكون كلنا سوريين أو لن نكون شيئًا.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى