
السوريون يعيشون على حافة الفقر في ظل انهيار الاقتصاد والمعيشة
في مشهد يعكس واقع سوريا تبرز قصص عائلات تكافح من أجل البقاء، حيث أصبحت المساعدات الإنسانية وحوالات المغتربين شريان الحياة الوحيد الذي يفصل بين الحياة والموت.
ففي السنوات الماضية، خلفت الحرب دمارًا شاملاً في البنى التحتية وتشريد ملايين السكان، ليبدأ الواقع السوري يرسم معالم مرحلة جديدة من القسوة الاقتصادية والاجتماعية.
في داريا بريف دمشق، التي طالما عانت من حصار نظام الأسد وتعرضت للتدمير الممنهج، بدأت علامات الحياة تلوح ببطء. يقول محمد إبراهيم لـ”العربي الجديد”: “عاد بعض الحرفيين لمزاولة أعمالهم في النجارة والحدادة بعد نزوحهم لسنوات إلى مناطق مثل جرمانا وصحنايا، لكن تكاليف ترميم المنازل المدمرة وغلاء مواد البناء حولا الاستقرار إلى رفاهية بعيدة المنال.” ويروي أن معظم الأهالي يعتمدون على حوالات شهرية تتراوح بين 100 و150 دولارًا لتأمين أساسيات الحياة، وهو مبلغ لا يكفي لتغطية ارتفاع أسعار الخبز والوقود الذي أدى إلى مضاعفة أسعار المواد الأساسية.
وفي ريف القنيطرة، حيث تعتمد الغالبية على الزراعة وتربية المواشي والنحل، تحولت الحقول إلى ممرات تفرضها التوغلات الإسرائيلية التي دمرت البنى الزراعية وحرمت المزارعين من الوصول إلى أراضيهم. يقول المزارع عمار الجاسم: “الزراعة هي مصدر بقائنا الوحيد، رغم الخسائر المادية الكبيرة التي نجمت عن ارتفاع أسعار الوقود والطحين.”
أما في محافظة السويداء، فقد أصبحت طوابير المحتاجين أمام مراكز الهلال الأحمر مشهدًا يوميًا، إذ تضاعف عدد العائلات التي تطلب المساعدات بسبب انخفاض تحويلات المغتربين في أوروبا، ما أدى إلى تفاقم أزمة المعيشة. وتشارك النساء في الإنتاج المنزلي، من صناعة الخبز والمخللات إلى صنع المطرزات اليدوية والصابون، في محاولة لتوليد مدخول بسيط يساعدهن على تأمين احتياجاتهن اليومية، رغم أن هذه الجهود غالبًا ما تقسو على كاهل الأسر.
وفي درعا، يحاول المتطوعون سد الفجوات عبر توزيع السلال الغذائية وتسديد ديون الصيدليات، لكن مع توقف رواتب الموظفين وتحول 70% من سكان المحافظة إلى حالة بطالة، يبدو أن المساعدات تظل شحيحة وسط أعداد المحتاجين الهائلة.
على الرغم من أن التحويلات المالية من الخارج كانت تشكل شريان حياة لعدد كبير من الأسر، إلا أن انخفاض المبالغ المرسلة نتيجة لارتفاع تكاليف المعيشة في الخارج جعل الوضع أكثر هشاشة. يقول محمد المنصور من دمشق: “كان ابني يرسل لنا 200 دولار شهريًا، واليوم خُفض هذا المبلغ إلى 150 دولارًا فقط، مما لم يعد يكفينا لتغطية تكاليف الدواء والاحتياجات الأساسية، خاصة بعد انخفاض سعر الصرف.”
تظل الأزمة السورية معقدة، إذ تتداخل العوامل الداخلية والخارجية؛ من دعم دولي مشروط إلى فساد مستشري وصراعات إقليمية تزيد من حدة الانهيار الاقتصادي، فيما يبقى صوت الجياع يعلو في طوابير المساعدات وسط صمت العالم.
؟
متابعة مصدر