من الخوف إلى وسام شرف: كيف غيّر سقوط النظام السوري نظرة المواطنين لـ”المطلوبية”

لم يكن يعلم الصحفي السوري كاظم طوقان أن لحظة عبوره الحدود إلى بلاده بعد 12 عاماً من الغياب، ستكون لحظة فخر لا خوف. طلب من موظف الجوازات أن يتحقق مما إذا كان اسمه مدرجاً على قوائم المطلوبين لدى النظام السابق، فأجابه الموظف بابتسامة: “مطلوب للفرع 235، فرع المخابرات”.

ضحك طوقان، الذي عمل سابقًا في وسائل إعلام معارضة، وقال لاحقًا: “اليوم، كل سوري يسأل بشكل روتيني: هل كنت مطلوباً؟ من اعتُقل أو طورد من قبل نظام الأسد، يشعر بنوع من الفخر”.

لطالما كان يُنظر إلى “وجود اسمك” على قوائم المخابرات ككابوس يلاحق السوريين، إذ يكفي أن تكون مطلوباً حتى تختفي في أقبية الأجهزة الأمنية، حيث التعذيب والموت. هذه القوائم كانت تُفحص عند المطارات، المعابر الحدودية، وحتى مراكز الشرطة، وتشمل ملايين السوريين.

لكن بعد سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر الماضي، تحوّل هذا “العيب” إلى وسام شرف. فأن تكون “مطلوباً” في ظل نظام قمعي عُرف بتعذيب وقتل مواطنيه، هو دليل على أنك قاومت.

يقول البعض إن هذا الموقف الجديد يتماشى مع بيت الشاعر العربي المتنبي:
“إذا أتتك مذمتي من ناقصٍ، فهي الشهادةُ لي بأني كاملُ.”

لم يكن المطلوبون بالضرورة من النشطاء أو المقاتلين؛ فحتى نكتة سياسية، أو امتلاك عملة أجنبية، أو البقاء في الخارج لفترة طويلة، كانت كفيلة بجعلك هدفًا للنظام. النساء والأطفال لم يكونوا مستثنين.

تامر تركماني، الذي أسس “أرشيف الثورة السورية” لتوثيق جرائم النظام، قال إنه شعر بالفخر حين علم أن أكثر من فرع أمني كان يطارده. خلال خروجه من سوريا نحو لبنان، سأله ضابط الحدود: “شو عامل حتى كل هالفروع كانت بدها إياك؟” فردّ ضاحكًا.

في مكاتب الهجرة والجوازات في حلب، يصطف مئات المواطنين يوميًا لتجديد الوثائق أو التحقق من حالتهم الأمنية. أحمد رحيم، موظف في قسم الأرشيف منذ 15 عامًا، أكد أن كثيرين يأتون فقط لمعرفة: “هل كنت مطلوبًا؟”

يقول رحيم إنه لا يُفصح عن سبب المطلوبية ما لم يُسأل مباشرة، حرصًا على عدم إثارة القلق، خاصة أن الحكومة الجديدة أسقطت معظم القضايا المتعلقة بالخدمة العسكرية.

ومع وصول المعارضة إلى الحكم، ورثت قاعدة بيانات ضخمة من وثائق النظام السابق، يمكن أن تُستخدم يومًا ما لمحاكمة الجناة وتحقيق العدالة.

بحسب خالد العبدالله، مسؤول في وزارة الداخلية، فإن أكثر من 8 ملايين سوري كانوا مطلوبين في عهد الأسد، لكنه أكد أن “قسماً كبيراً من هذه القضايا، خاصة المتعلقة بالاحتياط والخدمة الإلزامية، تم تجاوزه”.

فؤاد السيد عيسى، مؤسس منظمة “ڤيوليت”، كان من بين أولئك الذين استُهدفوا من النظام خلال الحرب بسبب مشاركته في شبكات إنذار مبكر للغارات. وعند مغادرته دمشق الشهر الماضي، قيل له إنه كان مطلوبًا لعدة فروع أمنية.

يقول فؤاد ساخرًا: “كانوا يتعاملون معنا كأننا إرهابيون”.

في سوريا الجديدة، صار الماضي الأمني “بطاقة تعريف نضالية”. ومع أن الكثيرين لا يزالون يعانون من آثار النظام، إلا أن تحوّل الخوف إلى فخر، يعكس كيف يمكن للشعوب أن تُعيد تعريف الألم ليصبح ذا معنى في طريقها نحو الحرية.

؟

In Syria, Being Wanted Went From Something to Fear to a Badge of Honor 

؟

عن نيورك تايمز – ترجمة مصدر

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى