
اليوم العالمي لحرية الصحافة : حين تُصبح الحقيقة ضحية الحرب الرقمية
"مراسلون بلا حدود" تحذر من تدهور غير مسبوق عالميًا وتطالب بحماية الصحفيين
يحلّ اليوم العالمي لحرية الصحافة هذا العام في ظلّ واقع إعلامي قاتم، يتسم بتصاعد غير مسبوق في التهديدات الموجهة للصحفيين والمؤسسات الإعلامية، سواء عبر العنف المباشر أو أدوات الرقابة الرقمية والضغوط الاقتصادية.
تحت شعار «الصحافة تحت الحصار الرقمي»، حذرت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) من التأثير المتزايد للذكاء الاصطناعي والمراقبة التكنولوجية على استقلال الصحافة وسلامة المعلومات، في وقت تزداد فيه التحديات على الميدان الرقمي، وتُضيَّق فيه الخوارزميات على المحتوى المستقل، بينما تُروَّج معلومات مضللة بدوافع تجارية أو سياسية.
هذا التحذير تزامن مع إصدار منظمة “مراسلون بلا حدود” تقريرها السنوي لعام 2025، الذي أكد أن حرية الإعلام العالمي في أدنى مستوياتها منذ بدء المؤشر قبل أكثر من عشرين عامًا. التقرير، الذي شمل 180 دولة، صنف معظم بلدان العالم في خانة “الوضع الصعب”، مشيرًا إلى أن الخطر لم يعد حكرًا على الأنظمة القمعية أو مناطق النزاع، بل بات يشمل أيضًا ديمقراطيات كبرى، تراجع فيها الضمان القانوني لحرية التعبير.
من بين أبرز ما خلص إليه التقرير، هو أن الضغوط الاقتصادية باتت تمثل تهديدًا جوهريًا لاستقلال الصحافة. حيث تسود الملكية المركزة للمؤسسات الإعلامية، ويزداد تأثير الإعلانات على التوجهات التحريرية، في مقابل تراجع التمويل العام المستقل. هذا الواقع يجعل من الصعب على الصحفيين أداء دورهم الرقابي بحرية، خصوصًا في ملفات تمس الحكومات أو الشركات الكبرى.
تراجع في الولايات المتحدة، واستقرار هش في أوروبا
رغم تصدر النرويج المؤشر العالمي للسنة التاسعة تواليًا، تراجعت الولايات المتحدة إلى المرتبة 57، في تصنيف وصفته المنظمة بأنه “إشكالي”، وسط تصاعد الاستقطاب السياسي والضغط على مصادر الصحفيين. أما في فرنسا، ورغم مكانتها التاريخية في حرية التعبير، فلا تزال بعض التحقيقات الصحفية عرضة للقيود القضائية أو السياسية.
المنطقة العربية: الخطر مستمر
عربيًا، لم تسجل المنطقة أي تقدم يُذكر، بل استمرّت دول مثل سوريا، اليمن، وليبيا في ذيل التصنيف العالمي، حيث يواجه الصحفيون القتل، والاعتقال، والاختفاء القسري. ويُمنع الصحفيون من الوصول إلى مصادر المعلومات أو تغطية الوقائع الميدانية بحرية، في ظل غياب تام للحماية القانونية أو النقابية.
الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، وجّه في هذه المناسبة دعوة واضحة إلى دعم الصحافة الحرة، مؤكدًا أن «لا ديمقراطية حقيقية بدون إعلام مستقل». فيما شددت “مراسلون بلا حدود” على ضرورة سن تشريعات دولية تحمي الصحفيين من الهجمات الرقمية وتضمن بيئة اقتصادية عادلة لوسائل الإعلام المستقلة.
الصحافة اليوم ليست فقط تحت نيران البنادق أو فوهات المعتقلات، بل أيضًا تحت أنقاض خوارزميات متحيزة وأنظمة مراقبة متقدمة وميزانيات تتآكل. وفي عالم تحكمه السرعة والربحية، يبقى الصحفيون الشجعان آخر خط دفاع عن الحقيقة.