
الشباب السوري بين حلم الزواج وأعباء الواقع
يشعر الشباب السوري اليوم بأن حلم تأسيس أسرة يواجه مصاعب غير مسبوقة تحت وطأة الأزمة الاقتصادية وانهيار القدرة الشرائية، فتضخم تجاوز 46% خلال العام الماضي جعل تكاليف الزواج تفوق إمكاناتهم المتواضعة، بينما لا يكفي الحد الأدنى للأجور سوى تغطية 20% من احتياجات الأسرة الأساسية.
وتضاف إلى ذلك بطالة 75% من الشباب أو انخراطهم في وظائف غير مستقرة، مما يدفع معظمهم إلى تأجيل قرار الزواج أو التفكير في الهجرة هرباً من ضغوط الحياة.
في هذا المناخ الصعب، بات الذهب رمزاً صارخاً للفجوة بين الماضي والحاضر. قبل عقد من الزمن كانت العرائس تتباهين بطقم كامل من الذهب ليلة الزفاف، أما اليوم فتكتفي الكثيرات بمحبس وخاتم خفيف من عيار 18، لا تتجاوز قيمتهما 800 ألف ليرة.
ويؤكد صائغون في ريف دمشق وإدلب أن نسبة شراء الذهب تراجعت إلى ما دون 15% من المقبلين على الزواج، بينما يلجأ 85% من الأهالي إلى بيع مشغولاتهم أو اللجوء إلى الذهب المستعمل لتأمين سيولة عاجلة.
المهر نفسه أصبح عبئاً هائلاً: إذ يبلغ متوسطه في دمشق حوالي 15 ألف دولار (50 مليون ليرة)، بينما لا تتجاوز حفلات الزفاف المتواضعة 5–10 آلاف دولار شاملة القاعة والتموين والتصوير.
وفي الوقت نفسه، يضطر خريجون وأصحاب الأجور المتدنية إلى السكن مع الأهل أو استئجار غرف ضيقة، من دون أن تضمن لهم هذه الحلول الخصوصية أو الاستقرار اللازمين لبناء أسرة.
تقول استشارية نفسية أسرية، إن بتبسيط مراسم الزواج وإلغاء الشكليات الباذخة، إلى جانب إطلاق مشاريع تمكين اقتصادي صغيرة والقروض الميسرة، يمكن للشباب تخطي هذه العقبات.
أما الجمعيات الخيرية فتوفر اليوم قروضاً بلا فائدة وخدمات تأثيث مجانية لمن لا يملكون غير طموحهم في تأسيس بيت مستقل.
ورغم كل ذلك، يبقى أمل البداية قائمًا في نفوس الشباب الذين يصرّون على تحدي الواقع عبر الابتكار والتضامن المجتمعي.
فعبر حفلات خطوبة بسيطة، ومشاريع تجارية صغيرة، وتطبيقات تعارف آمنة، يسعى السوريون إلى خلق الفرص بأيديهم، وهم يعلمون أن الاستقرار الأسري لا يُقاس بكثافة الذهب أو فخامة القاعة، بل بالثقة والإرادة القادرين على صنع مستقبل أفضل رغم الظروف القاسية.



