الجنسية السورية استحقاق لا يُمنح بالسلاح … مرهف مينو

نقاش محتدم حول تجنيس المقاتلين الأجانب الذين شاركوا في الصراع الثوري او كما احب ان اسميها ( الثورة التي حولها المخلوع بشار لحرب ضد السوريين )، تظهر حاجة ملحّة لإعادة تعريف مفهوم الجنسية، ووضعه في إطاره المدني والقانوني الصحيح.

فالجنسية، كما تُمارَس في الدول ذات الأنظمة الراسخة، ليست هبة تُمنح، ولا جائزة تُوزع مقابل الولاء أو القتال، بل هي استحقاق مدني يُبنى على الاندماج الحقيقي، والالتزام بقيم الدولة، والخضوع لمعايير دقيقة تضمن أهلية المنتسب للمجتمع الجديد.

لطالما كان نيل الجنسية في البلدان المستقرة نتاج مسار طويل يتخلله تدقيق وتقييم ومراجعة، وليس قراراً سياسياً عاطفياً. في فرنسا مثلاً، يُطلب من طالب الجنسية إثبات تمكنه من اللغة، وفهمه للقوانين، وسجله العدلي، ومدى اندماجه في المجتمع.

وفي الخليج العربي، لا تزال الجنسية في السعودية أو الكويت أو الإمارات من أضيق الأبواب التي يمكن أن تُفتح، حتى لأبناء البلد ممن يرتبطون بوافدين عبر الزواج أو النسب، فكيف بمن هم خارج هذه الدوائر تماماً؟

من هنا، فإن منح الجنسية السورية لمقاتلين أجانب، فقط لأنهم حملوا السلاح دفاعاً عن السوريين أو قاتلوا ضد “عدو مشترك”، يفتح الباب أمام مخاطر سياسية وأمنية واجتماعية لا يمكن تجاهلها.

لا نعرف عن خلفيات هؤلاء المقاتلين إلا القليل، ولا نملك ضمانات حول مستقبلهم، أو مدى قابليتهم للاندماج في مجتمع يئن من التمزق الطائفي والعرقي والسياسي.

سوريا التي ننشدها – دولة مدنية، قانونية، حديثة – لا يمكن أن توزع جنسيتها بهذه الطريقة المرتجلة، لأنها بذلك تفرّط في أحد أهم رموز السيادة والانتماء.

الجنسية ليست شكلاً من أشكال رد الامتنان، ولا وسيلة لجذب الولاءات، بل عقد مدني بين الدولة والمواطن، لا بد أن يُبنى على أسس متينة، تبدأ بالتقييم الصارم، ولا تنتهي إلا بالتأكد من صدق الانتماء وقدرة الشخص على أن يكون جزءاً فاعلاً من النسيج السوري.

إن ما نحتاجه اليوم هو تشريع واضح وصارم، ولجان مستقلة ومحايدة، تعمل كما في الدول الأوروبية والعربية، لتقييم كل من يطلب الجنسية، وفق معايير مدنية خالصة، لا عسكرية ولا سياسية.

فالمجتمعات التي تحترم نفسها، لا تمنح هويتها الوطنية لمن هبّ ودبّ، بل تصونها وتُعلي من شأنها، لأنها تمثّل شرف الانتماء، لا مجرد ورقة إقامة.

الجنسية السورية يجب أن تكون استحقاقاً، لا منحة.  ويجب أن تُمنح على أساس الاندماج والالتزام والمواطنة، لا على أساس من قاتل، أو دعم، أو موّل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى